"الشيتة " تعبير عامي، قد يتعذّر إيجاد مرادف مطابق في اللغة العربية يؤدي نفس المعنى والدلالة، لأن مفردة شيتة في الخيال الشعبي لها أكثر من بعد ومعنى ودلالة، فهي تشتمل على عدة صفات، فلا يكفي أن نقول مثلا إن مرادفها في اللغة العربية هو التزلف الذي يعني التقرب بمهانة وإذلال. «الشيتة "تشمل المهانة والإذلال، وتشمل صفة أخرى أيضا على غاية من الأهمية وهوالتلميع. الإنسان "الشيات"، فهو من جهة يتقرب في ذل ومهانة، وفي الجهة الأخرى يعمل على تبيض وتلميع وصقل صورة "المشيت" له حتى ينال رضاه ويقضي حاجاته. كما تجب الإشارة أن "الشيتة" ظاهرة تاريخية فقد عرفتها جميع المجتمعات المتقدمة منها والمتخلفة ولا تقتصر على شعب معين أو بثقافة معنية، وسوف تستمر عند البعض كسلوك ومذهب في الحياة، وهي لا ترتبط بشريحة إجتماعية دون غيرها ، فقد يكون"الشيات" مثقفا كبيرا أو خطيبا مفوها أو شاعرا فحلا، وقد يكون مواطنا بسيطا أجبرته قسوة الحياة وجبروتها على التزلف "وضرب الشيتة". ما يجب الوقوف عنده والتشديد عليه، أن الشيتة تختلف عن "الواسطة" ولا مجال للمقارنة بينهما، فقد يبحث الإنسان عن واسطة بخاصة في المجتمعات المختلفة من أجل تخطي العراقيل والممارسات البيروقراطية، وقد يضطر إلى تقديم رشوة في سبيل قضاء حاجة دون أن يوصف ذلك السلوك ب«الشيتة" التي هي شيئا آخرا، لكنها تظل مرتبطة بأفراد محدودين ولا تتحول إلى ظاهرة إجتماعية مثل الرشوة أو الفساد أو نهب المال العام، فقد وصف مجتمعا أنه فاسد أو مرتش حيث تصبح الرشوة والفساد ظاهرة عامة، لكن ذلك لا ينسحب على "الشيتة"، فلا يوجد مجتمع كله من الشياتين وإلا اندثرت قيم الشرف والإستقامة والرجولة والنزاهة والحق والخير والجمال. عرّفنا "الشيتة" بوصفها تزلفا وتقربا يكسوها الذل والمهانة من أجل تحقيق مصلحة أو نيل حظوة، فمن هو الإنسان "الشيات"؟ وما هي سماته؟، هذا يقودنا إلى سؤال أعمق:هل "الشيتة" جانب أصيل في الإنسان أم مكتسب؟،هل يولد الإنسان وهو مزود بهذه الصفة أم قسوة الحياة وجبروتها هي التي تجبره على "ضرب الشيتة" مكرها وليس طوعا؟ ليس سهلا الحسم في هذه المسألة "الأنطولوجية" التي قد تقودنا إلى نوع من العنصرية، لكن تجارب الحياة تخبرنا أنه يوجد نوع من بشر، وليس كل البشر، يتحلون بهذه الصفة ولا يعرفون وليس بإمكانهم العيش بدونها. إذا لجأنا إلى البرهان بالخلف نقول إأن" الشيات" ليس هو الإنتهازي ولا الوصولي، هو كذلك وأكثر من ذلك، لأن الإنتهازي أو الوصولي يستعمل ذكاءه وكفاءته من أجل تحقيق مصلحة شخصية ضيقة، وقد لا يصل به التنازل إلى مرحلة "الشيتة" التي هي أعلى مراحل الإنتهازية والوصولية التي يجوز وصفها بمرحلة "الرخص" بدلالاتها الشعبية. إن الإنسان الذي يلجأ إلى الشيتة، وهي الوسيلة الأخيرة والرخيصة، بل ذروة الرخص، يستعملها كأداة وسلوك ونمط حياة، في هذه الحالة يكون قد أعلن القطيعة النهائية عن منظومة قيمية وبنية نفسية واستبدلهما بأخرى مغايرة تتجلى على صعيدين يتعذر حضور أحدهما دون الآخر، صعيد خارجي وآخر داخلي، الأول الخارجي يفصح عن انهيار المنظومة الأخلاقية مثل الإستقامة والشرف والرجولة والوفاء ، والداخلي يفصح عن انهيار البنية النفسية ويكشف عن شخصية غير سوية حتى إذا أظهر العكس، لأنه قد يكون الإنسان "زوالي وفحل" كما تقول الأغنية الشعبية، لكنه يتعذر كثيرا أن يكون الإنسان "شيات وفحل". إن من يجعل الذل والتذلل والرخص وسيلة للعيش وأسلوب حياة، يكون قد سقط أخلاقيا ونفسيا وتتجلى بشكل خاص، فيكثر في تفكك نسيجه النفسي الداخلي، ويكون فاقد الثقة في النفس وفي المحيط والناس فيلجأ، بسبب الجبن المتأصل، وهي صفة مرادفة للشيات، إلى الحيلة،الخبث، اللؤم، الغش، الخداع، الكذب والتدليس في التعامل مع العالم الخارجي، حتى مع أقرب المقربين. هذه من سمات العبيد وذهنية العبيد وأخلاق العبيد، حتى وهو يحمل أعلى الدرجات العلمية أو أعلى المراتب السياسية. لذلك لا غضاضة عنده في دخول سوق النخاسة، ويتاجر بكل شيء وفي كل شيء حتى بكرامته وشرفه وعرضه وتتحول إلى سلعة للبيع. في هذا المقام، قد يسأل سائل هل الشيتة صفة "رجالية" تستثنى منها النساء، إنها صفة عامة تنسحب على الجنسين، فقط المرأة لما تقرر ممارسة "الشيتة" تختزل الطريق والمتاعب والجهود المضنية وتستلقي على ظهرها في أول سرير.