يُعد قصر المجبارة تاريخيا أول قصور بلاد أولاد نايل الواقعة في الطريق المؤدية إلى مواطن قبائل أولاد عيسى وأولاد سعد بن سالم وأولاد يحيى بن سالم وقصور الجهة الجنوبية للمنطقة وهي قصور مسعد والحنية ودمد والنثيلة وعمورة وعامرة وعين السلطان والبرج المعروفة كلها بتنوع بساتينها وثراء مطاميرها بما يختزنه عندها الرحّل. وبهذا الموقع سيكون للمجبارة أهمية إستراتيجية ليس فقط على مستوى بلاد أولاد نايل بل انه سيكون محطة هامة للقائد بومعزة في طريقه نحو أولاد جلال وهو ما اكتشفه الجنرال ماري مونج ورصدته عيونه حول دور المجبارة في المقاومة الشعبية، فسيّر حملته نحو هذا القصر سنة 1847 وهي بالنسبة لنا أهم حدث في تاريخ هذا القصر كما سيأتي بيانه. والمجبارة حسب الروايات الشفوية قصر قد تم بناؤه في بدايات القرن التاسع عشر أو بنهاية القرن الثامن عشر وقت الأتراك وكان عامرا وفيه مسجد ومدرسة قرآنية. وقد كان لنا لقاء مع أحد معمّري هذا القصر وهو "الشيخ الخيراني لخضر" الذي ذكر أن أول عهد لبناء المجبارة والاستقرار بها كان في عهد الأتراك. وأن من بين من ساهموا في عملية البناء شخصيتان معروفتان لدى عرش أولاد طعبة وهُما "كبيش" و"الخيراني" وقد أشرف على المدرسة القرآنية معلم قرآن من عائلة "شلالي" من عرش أولاد عيفة. وذكر لنا الشيخ لخضر شجرة نسبه كالآتي: الخيراني لخضر (1923) بن أحمد (1862) بن محمد بن الخيراني (أحد أوائل ساكني القصر) بن محمد بن سعد بن عثمان. وكما هو معروف عن القصور فإن من عوامل اختيار مواقعها عيون الماء. وهو ما يمكن رصده إلى اليوم بالمجبارة أين توجد به أراضي خصبة ومصادر سقي وأنظمة ري تقليدية في البساتين تعتمد على نظام التناوب وهو ما ساهم في ازدهار الفلاحة فيه. ونظام الري هذا موجود بالشارف وزنينة ومسعد وعمورة... ونرفع نداء إلى الباحثين لكي يكتبوا عنه ويوثقوا مصطلحاته ومواقيته ونظم عمله بالنظر إلى أنه مظهر من مظاهر العبقرية والإبداع لدى ساكنة القصور ببلاد أولاد نايل. ويحتاج البحث في تاريخ القصر المجبارة وسائر قصور بلاد أولاد نايل خلال العهد العثماني إلى استنطاق لأسماء الأماكن (أودية وعيون وجبال وغيرها) وبحث شامل في كتب الرحلات الحجازية للحجاج المغاربة التي كانت تمر بالمنطقة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر سواء بالنسبة للركب الفاسي أو الركب السجلماسي. وقد اطلعنا على دراسات عن بعض كتب رحلات الحج خلال الفترة التي سبقت الاحتلال الفرنسي ويبدو لنا جليا أن نواحي المجبارة لم تكن ضمن المسارات المعروفة للحجاج المغاربة. وبالعودة إلى فترة الاحتلال الفرنسي فلا شك وأن المجبارة قد شهدت مرور الحملات الفرنسية أو حملات أعوانها ابتداء من سنة 1844 وما بعدها. ولكننا سنعثر على تفاصيل مهمة في الكتابات الفرنسية عن حملة الجنرال "ماري مونج" قائد دائرة بوغار الذي قاد حملته بداية 1847 على المجبارة وما جاورها بالتوازي مع حملة للجنرال "ايربيون" على نواحي أولاد جلال. وكذلك بالتوازي مع حملة للمقراني (الذي سيصير مقاوما بعد 41 سنة من خدمة الاحتلال الفرنسي!!) وهذا ضد نواحي بوسعادة بأمر من الجنرال بودو Bedeau. وهذه المعطيات التاريخية حول قصر المجبارة لوحده كفيلة بأن تعطينا فكرة واضحة عن حجم الظلم الذي حاق بتاريخ المنطقة التي جاهدت منذ اللحظة الأولى ضد الاحتلال الفرنسي عكس مناطق انبطحت وتعاونت مع الفرنسيين مثل خليفة الأغواط "بن سالم" الذي كان تحت امرته "الآغا ناصر بن شهرة" و"المقراني" خليفة مجانة. وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن وثيقة من "مركز أرشيف ما وراء البحار" تشير إلى أن خليفة الأغواط وفرسانه قد نالوا في جوان 1846 مكافأة عبارة عن 15 جملا عن غزوتين ضد "أولاد نايل" و"المويعدات الغرابة" من مجموع 91 جمل تم مصادرتها من طرف الفرنسيين (29 جمل من المويعدات الغرابة و62 من البايلك وأولاد نايل). وبخصوص المجبارة، فقد تمت حملة فيفري 1847 بمساعدة فرسان حليف فرنسا خليفة الأغواط "أحمد بن سالم". وكان قوام الحملتين 200 فارس من عرش الأرباع التي استطاعت أن تغنم من المنطقة 100 رأس من البقر والبعير وما بين 3000 إلى 4000 رأس غنم. ورغم أن المصادر التاريخية لا تذكر قصر المجبارة خلال حملات الجنرال يوسف وماري مونج طيلة سنوات 1844-1845-1846 وأن بومعزة قد كان مارا بالمجبارة في طريقه إلى الزيبان ... إلا أن حملة الجنرال مونج تدل على أن هذا القصر قد صار فعلا مصدر إزعاج للفرنسيين وهو الدور الذي لعبته قصور مسعد والشارف وزنينة والبرج لصالح الأمير عبد القادر والحاج موسى والتلي بلكحل. ويدل على همجية حملة مونج وتهديمه الكلي لقصر المجبارة ما نقله الرحالة الفرنسي "لويس بياس" أنه تم إعادة بناء قصر المجبارة سنة 1854. ولا ننسى هنا أنه خلال الفترة بين تهديم قصر المجبارة وإعادة بنائه (1847-1854) كانت نواحي المجبارة قد شهدت مقاومة للوجود الفرنسي وانخراطا كليا لقبائل أولاد نايل مثل "أولاد طعبة" في 1853 في معركتهم بجبل كربطيط ضد قائد بوسعادة الرائد بان Pein وأولاد أم الإخوة في معركة عين الويصال في أكتوبر 1854 بمنطقة عين الناقة غير بعيد عن قصر المجبارة. وسيتأكد لنا مرة أخرى أن قصر المجبارة قد تعرض فعلا لعملية تهديم على الأقل حين نجده مذكورا سنة 1879 في "مدونة القبائل والدواوير" وأنه يبعد بمسافة 05 كلم عن المجبارة القديمة ... فما الذي حدث بالضبط يا ترى سنة 1847؟ وهل هناك مجزرة مازالت طيّ الأرشيف تحتاج إلى كشف النقاب عنها؟ لقد اهتمت السلطات الفرنسية بقصر المجبارة بإعادة بنائه في فترة وجيزة بعد اقتحامه (08 سنوات) ويدل على ذلك أن الرائد "نيوكس" قد صنّف قصر المجبارة ضمن تلك القصور التي تشكل نصف قوس حول المركز الاستيطاني الجلفة (الشارف وعامرة وزكار والمجبارة). ولعل هذه الأهمية تنبع من ضرورة مراقبة طريق الجلفة مسعد. أما بالنسبة للمعلومات الديمغرافية فقد بلغ عدد سكان المجبارة 251 نسمة سنة 1879 وقد ذكرت في قاموس بلديات الجزائر (1903) على أنها قصر يتبع البلدية المختلطة للجلفة وأنه يقع على مسافة 30 كلم جنوبها. وبعد، فإن الحديث عن القصور سيصطدم دوما بصعوبة الحصول على المصادر الأرشيفية لا سيما تلك التي تطبعها السرية لكونها ذات طابع عسكري. وكذلك بسبب عدم الاهتمام بتدوين الرواية الشفوية التي قد تكون محكية أو أشعارا شعبية يجب أن تجد من يتصدى لتوثيقها. وهذا هو الحال مع قصر المجبارة الثري بحرفه ونمط معيشته وتراثه ... وهو نفس الحال مع باقي القصور ... فمتى ندوّن ونبحث ونوثق؟ صورة لأزقة المجبارة وديارها (المصدر: المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية SDAT Djelfa)