البروفيسور "بدر الدين الاحنش" في آخر لقاء جمع الرئيس تبون مع ثلاثة من وسائل الإعلام الجزائرية، صرح السيد تبون وكرر، أن الجزائر أنجبت أحسن الأطباء في العالم، واستشهد بعضو لجنة الرصد والوقاية لوباء كورونا، الذي كان له الفضل في معالجة الأفارقة من فيروس "ايبولا"، وهو البروفيسور محمد بلحوسين، هذه الشهادة، لم ترق الأمر للكثير من المعلقين المعروفين باستصغار كل شيئ جزائري، ونكران الجميل، حيث قلوبهم مليئة بالحقد، والضغينة، والحسد، وهم من يزرعون بذور الاحباط والفشل لدى المجتمع، منطلقين من أن كل ما هو غريب هو مميز، وكل ماهو منا، هو ليس له قيمة. حيث ينطبق عليهم قول الشاعر قديما : يرون العجيب كلام الغريب * * * مغنية الحي لا تطرب. وقول العلامة سيدي عطية مسعودي رحمه الله، في إحدى قصائده : والأديب الآريب إن حل فيها *** ماله قيمة ولا مقدار فبها للجهول عز وجاه *** ولذي العلم ذلة وصغار من أمثال البروفيسور بلحوسين كثير، ومتواجدين في كبرى مستشفيات العالم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، لأن القائمة طويلة، نجد كذلك البروفيسور إلياس زرهوني مدير معهد الصحة بالولايات المتحدةالأمريكية، والبروفيسور رضا سويلاماس أول من قام بعملية زرع الرئة في العالم، والذي غادر مستشفيات فرنسا مكرها، واستقبلته كبرى المستشفيات الأمريكية بالبساط الأحمر. ومن بين هؤلاء العلماء الذين ستظل تفتخر بهم الجزائر، هو العالم البروفيسور بدر الدين الاحنش، الطبيب الخاص للرئيس الفرنسي الراحل " فرونسوا ميتران"، وهو الذي ترك الرئيس ينتظر كغيره من المرضى، حيث كتبت عن هذه الحادثة كبريات الجرائد العالمية ومن بينها اليومية الفرنسية " لوموند" بتاريخ: 16/12/1993، هذا البروفيسور ابن مدينة سوق اهراس، هو من باع ما يملك لبناء أكبر مسجد في مدينة "ليون" الفرنسية، المقاطعة الثامنة، وهو مُسمى باسمه، وقد شرع في بنائه سنة 1979، ولم يحضر تدشينه في ربيع سنة 1994. توفي بدر الدين الاحنش يوم 12/12/1993، عن عمر ناهز 66 سنة، وهو أخصائي في الطب النووي، ورئيس سابق لمصلحة الطب النووي بالمركز أمراض السرطان بمدينة "ليون" الفرنسية. والأخصائي بالطب البيوفيزيائي، وهو الرئيس المؤسس لمؤسسة الثقافية الإسلامو أروبية، وعضو خلية التفكير لمستقبل الاسلام في فرنسا. هذا البروفيسور اليتيم الذي ترعرع في غياب والديه، هو من عالج كبار الرؤساء في العالم، من بينهم رئيس الحكومة الألماني الراحل "المستشار هلموت كول"، و الرئيس الأمريكي الراحل "رونالد ريغن" هذا الرئيس الذي طلب من مسوؤلي البيت الأبيض جلب الطبيب بدرالدين من فرنسا، ليصبح الطبيب الخاص له فيما بعد. ويحكي عنه رئيس بلدية "ليون" الأسبق " ميشال نوار"، حيث قال في إحدى مداخلاته عن العنصرية، أن البروفيسور الاحنش، وذات يوم وهو يفحص المرضى في المستشفى، كانت هناك مريضة من العائلات الكبيرة في فرنسا، وهي عائلة "برليي"، والتي كانت تعاني من السرطان، وحين أمسك يدها لجس نبضها، صرخت في وجهه بنبرة احتقار، وقالت له أترك يدي، ومن أنت حتى تتجرأ، وكان خلفه أرمادة من خيرة الأطباء، فتصرف بلباقة الشعب المغاربي، في حين حاول الأطباء الذين كانوا خلفه تهدئة تلك المريضة، وشرحوا أنها أمام أحسن الأطباء، وهو طبيب الرئيس ميتران، غير أنها كانت متعالية على أن يعالجها طبيب جزائري. وبعد أسابيع، ذهبت تلك المريضة إلى مستشفى كبير بولاية "سان فرانسيسكو" بالولايات المتحدةالأمريكية، والذي كان أحسن من مستشفى مدينة ليون الفرنسية، فقال لها طبيب أمريكي : أنت محظوظة يا سيدتي، اليوم سيفحصك أحد من كبار أطباء السرطان في العالم، وبعد لحظات تتفاجأ السيدة "برليي" بنفس الطبيب الذي تركته في مستشفى ليون، وهو الطبيب الجزائري الأسمر، الذي صرخت في وجهه، مرفوقا من بمجموعة من كبار الأطباء، وقالت باستغراب، "لا"، هذا أنت مرة أخرى، فابتسم البروفيسور الاحنش، وخاطبها بأدب، نعم أنا مرة أخرى سيدتي، ومنذ ذلك أصبحا صديقين مقربين. هذه المرأة الغنية، قامت بمساعدة البروفيسور الاحنش قبل وفاتها، في انجاز أكبر مسجد في مدينة "ليون" الفرنسية، و وهبت جزءا كبيرا من ثروتها لبناء مركز للأبحاث في السرطان، والذي يعد اليوم من أكبر مراكز البحث في العالم، حيث يعرف ب " مركز ليو بيرار". هذا البروفيسور التقيّ في دينه، كان محل احترام كبير من طرف الرؤساء، وخاصة الرئيس الفرنسي الراحل " فرنسوا ميتران"، رغم أنه كان يتركه ينتظر في الهاتف، كبقية المرضى، وعندما علم "ميتران" أنه من جهة الشرق الجزائري حيث يوجد ضريح " القس أوغستان"، ابتسم وقال له : أنا بين أيادي آمنة. ولقد قال عنه السياسي والاقتصادي البرلماني الأسبق "ريمون بار" إن البروفيسور بدرالدين الاحنش، هو سان اوغستان الطب، أي بمعنى قديس الطب. ولم يبق من آثر البروفيسور الاحنش، سوى اسمه المكتوب على باب المسجد الذي بناه، حيث باع ما يملك وسخره لبناء هذا المسجد الكبير، ولم يترك إلا علمه الذي هو مرجع في الطب العالمي، وتلامذته، وزملائه الذين كان يشرف عليهم. هذا مثال عن كثير من الأمثلة، وهو الرد المناسب على الأصوات الناعقة التي تقلل من شأن أبناء البلد، الذي شرفوا الشعب والبلد، ومازالوا أينما حلوا . فالجزائر وما أدراك من الجزائر، أنجبت، ومازالت تنجب العلماء في كل الميادين، وهذا بشهادة العدو قبل الصديق. ومثل ماهو موجود الطبيب الصالح في وطننا أو في الخارج، صاحب الكفاءة، والمخلص، والذي يخاف الله، ويؤدي واجبه الانساني حسب القسم الذي أقسم به يوم التخرج، يوجد الطبيب العاجز والفاقد للضمير، كالذي وصف دواء لمريض بالجلطة الدموية لمدة ستة أشهر، وكان يفحصه مع التحاليل كل شهر، ثم بعد هذه المدة، قال له: من أعطاك هذا الدواء؟؟ أو كالذي يفحص المرضى في المستشفى العمومي، ثم يفرض على المرضى إجراء العملية في عيادته الخاصة، مقابل مبلغ مالي كبير، ولا يراعى في ذلك لا فقير، و لا غني، أو مثل الذي يسرق الدواء من المستشفى العمومي المسدد من خزينة الدولة، ثم يستعمله في عيادته الخاصة مقابل المال. والحمد لله على أن هذه الأصناف قليلة، ولا تمثل الأطباء الأكفاء الذين يحتكمون للضمير المهني، ويحافظون على سمعة الطبيب مهما كانت رتبته، ومهما كان مكان تواجده. فألف رحمة عليك يا بدر الدين الاحنش، وألف رحمة على كل طبيب شريف، نزيه، صادق، وكل من شرف الجزائر وغادرنا، إلى الدار الآخرة.