الجلفة، خريف سنة 1984 ... أنت الآن في خريف سنة 1984 بموقع حديقة الحرية مقابل البوابة القديمة لبرج الجلفة الذي بُني في سبتمبر 1852 من طرف حملة الجنرال السفاح يوسف ... التحضيرات على قدم وساق لبناء نصب تذكاري بحديقة الحرية للإحتفال بذكرى ثلاثينية اندلاع حرب التحرير في الفاتح نوفمبر 1954 ... وهذه شهادة حيّة لأحد العاملين بورشة النصب وهو السيد حانطي عطية حيث يقول "كنا نعمل في المؤسسة العمومية للأشغال الفلاحية والطرق Sotrager تحت إدارة السيد شبايكي وفي عهد رئيس المجلس الشعبي البلدي السيد علي ابراهيمي والوالي زواني عبد الغني ... كان أمامنا 03 أشهر فقط لإنجاز نصب تذكاري بحديقة الحرية والذي ستُدشّنه السلطات التنفيذية والمنتخبة في الفاتح نوفمبر 1984 ... المشروع هو عبارة عن نصب بالإسمنت المسلح الذي يرتفع عن سطح الأرض على 03 أعمدة خرسانية مسلحة فيما يشبه "مقام الشهيد" بالعاصمة ... لهذا كنا مطالبين بإنجاز أشغال حفر عميق لتثبيت أساسات النصب ... خلال أعمال الحفر وجدنا مجموعة عظام ... لم يتم أي إجراء رسمي حيث أُمرنا بدفنها في مكانها ومواصلة الأشغال ... وموقعها اليوم هو تحت العمود الشمالي للنصب". حديقة الحرية في ربيع 2021 ... طمس التاريخ !! حديقة الحرية يوجد فيها اليوم المتحف البلدي والنصب التذكاري لحرب التحرير (مقام الشهيد عمر ادريس) ومعه قوائم الشهداء الذين سقطوا في ميدان الشرف خلال الفترة 1954 – 1962 ... من الجهة الجنوبية توجد منطقة عسكرية خلف السور القديم والبرج العسكري المبني سنة 1852 والبوابة التي يقع أمامها مباشرة النصب التذكاري المبني سنة 1984 ... المثير للغرابة والإستنكار هو أنه منذ اكتشاف العظام سنة 1984 وإلى غاية اليوم لا توجد أي لافتة أو نصب يتحدث عن "انتفاضة بوشندوقة" وجريمة "مطمورة السطاعش". حاولنا الإتصال بالسيد علي ابراهيمي، الرئيس السابق للمجلس الشعبي البلدي في سنة 1984، ولم نتمكن من ذلك ... فاتصلنا بالسيد السعيد بوخلخال الذي أجابنا عن بعض تساؤلاتنا حيث قال "ما يروى هو أنه كان يوجد عند بوابة البرج بئر قديم استعملها الرائد دوسوني لقتل 07 عرب من بين 16 تم محاكمتهم شكليا ... في سنة 1984 لم يكن لديّ منصب مسؤولية ولكننا عرفنا أنه قد تم العثور على عظام أثناء أشغال البناء وتم الإتصال ب "المورابو" (يقصد الأب فرانسوا دوفيلاري) والذي قام باتصالات مع مركز أرشيف ما وراء البحار وتحصل لاحقا على وثائق أرشيفية تؤكد أن موقع الجريمة هو نفسه موقع حديقة الحرية ... وأثناء ذلك بقي الغموض يكتنف طبيعة العظام ولا أعلم مصيرها فيما بعد، مع العلم أن عدد العظام قليل جدا ما جعلهم لا يعطونهم أهمية آنذاك ... بالنسبة للقتلى الفرنسيين في هجوم بوشندوقة فقد تم دفنهم في مقبرة مسيحية موقعها هو متوسطة الشيخ الرايس حاليا ... وقد أشرفتُ كرئيس للبلدية سنة 1967 بحضور ممثل القنصلية الفرنسية والأب دوفيلاري ومكتب الدراسات على نقل عظامها إلى المقبرة المسيحية المتواجدة بحي بلغزال، وهذا بعد اختيار الأرضية لبناء التكميلية ... أما بالنسبة لقضية استخراج العظام وإعادة دفنها بطريقة لائقة فإن رأيي الشخصي حولها هو أن هناك تهاونا فيها ...". السياق التاريخي لهجوم بوشندوقة على الجلفة الحديث عن السياق التاريخي مهم جدا عند التطرق لموضوع هجوم بوشندوقة على الجلفة. ذلك أنه وقع بعد مرور 31 سنة عن الاحتلال الفرنسي للجزائر وبعد مرور 17 سنة عن أول حملة عسكرية فرنسية للجنرال ماري مونج في ربيع سنة 1844 ... وأيضا بعد مرور 10 سنوات عن بناء البرج العسكري بجانب وادي الجلفة في سبتمبر 1852 ... كما أن آخر انتفاضة كانت لأولاد أم الإخوة في خريف سنة 1854 ... هذا من الناحية العسكرية للمحتل الفرنسي. أما من الناحية الاجتماعية بما فيها الجوانب الدينية والإدارية والعقارية فهو شأن قد ناقشناه في تحقيقنا التاريخي عن الحرب الدينية على منطقة الجلفة. وقد أشرنا فيه إلى استحداث أول تجزئة عقارية بالجلفة بتاريخ 10 جانفي من سنة 1860 والتي تلاها قرار إنشاء كنسية الجلفة في 30 مارس من سنة 1860 ثم قرار إنشاء المركز السكاني بالجلفة في 20 فيفري 1861 ... كما نلاحظ بناء مسجد جديد في مسعد سنة 1858 وهو بمثابة مسجد ضرار للقضاء على الرمزية التاريخية لمساجد وزوايا القصور العتيقة والتي بناها مقاومون من أمثال موسى الدرقاوي والشيخ السنوسي والشيخ سي بن عياش. نلاحظ هنا منع بناء أي مسجد داخل أو خارج بلدة الجلفة كما أن مقر زاوية الخليفة سي الشريف بلحرش ودار القيادة كانا خارج البلدة ... وهكذا تتوضّح معالم الحرب الدينية والتبشير حين تقرر أن تحتضن التجزئة العقارية مقرا لكنيسة كاثوليكية ... والتي كان يُنتظر أن ينزل أسقف الجزائر "بافي" لتدشينها ... وتزامن حضوره إلى الجلفة مع الهجوم عليها بل وإن الأسقف بافي قد حضر المحاكمة الشكلية والجريمة الصليبية ... الأكيد أنه لم يكن مجال للصدفة حين قرر بوشندوقة مهاجمة الجلفة التي ستُدشّن فيها كنيسة بعد يومين ... والهجوم ماهو في الحقيقة إلا رسالة رفض للوجود الصليبي بهذه الربوع العربية المسلمة … قرارات وأحداث سبقت هجوم بوشندوقة ... قضايا وأحداث كثيرة سبقت الهجوم مما أعطى انطباعا عن الكره الشديد للمحتل الفرنسي. فقبل 07 سنوات من الهجوم كان المحتل الفرنسي قد نكّل أشد تنكيل بعرش أولاد أم الإخوة في سنة 1854 في عدة موقعات منها موقعة تمجيخ التي استشهد فيها 80 فردا وبقي هذا العرش معاقبا بتعيين قايد عليه من غير أبنائه إلى سنة 1862 أي أن كل من يثور ضد فرنسا فمصيره التنكيل والحرمان من المناصب والعقاب الجماعي. وقد تم أيضا عزل قايد أولاد ضياء وهو سي الشريف الخبيزي ولم يتم استخلافه حتى سنة 1862. من بين القرارات المثيرة للإنتباه هو القرار الوزاري الصادر في 27 جويلية 1860 والقاضي بتسريح 05 خيّالة يتبعون سي الشريف بلحرش. هذا الأخير كان لا يتبع سلطته في 22 جوان 1860 سوى 10 خيّالة مقارنة بسلطة قائد ملحقة الجلفة (10 خيالة، 04 سبايسية) والأغواط (15، 04) وبوغار (15، 04) والمدية (20، 08 + 07 سبايسية غير دائمين) ... وهو ما يعني أن المحتل الفرنسي كان يعكف دوما على تقليص سلطة الباشاغا سي الشريف بلحرش. كما كانت هناك قضية شغلت السلطة الفرنسية وهي قضية اغتيال اليهودي إسحاق أشكينازي يوم 03 نوفمبر 1860 في موقع يقع على مسافة 25 كم جنوب محط القوافل "ڨلتة سطل" ... حيث تقول التقارير الفرنسية أنه لم يتم العثور لا على القتلة ولا على وثائق القتيل ... مع العلم أن موقع الإغتيال يقع ضمن سلطة نفوذ سي الشريف بلحرش وضمن أراضي بطن أولاد سي امحمد الذين ينتمي إليهم بوشندوقة وسي الشريف بلحرش. كل ما ذكرناه أعلاه يوحي بأن السلطة الفرنسية لم تكن تثق في أي كان ولم يكن لها السيطرة المطلقة على مسار الأحداث وهو ما سنراه بشكل جلي في الهجوم على الجلفة ودور سي الشريف بلحرش في تلك الأحداث ... نأتي الآن إلى شهر آفريل من سنة 1861 ففيه تم الإعلان عن زيارة أسقف الجزائر "بافي" يرافقه فيها مساعده القس سوشي. وقد انطلقا من الجزائر يوم 12 آفريل وفي يوم 15 آفريل على الساعة العاشرة صباحا كانوا قد ناصفوا الطريق بين حجر الملح والجلفة أي أنه لم يبق لهم سوى مسافة 15 كم عنها. وقد قرروا مواصلة الطريق رغم أن الرائد دوسوني بعث لهم برسالة تحذيرية تدعوهم إلى الإحجام عن المجيء إلى الجلفة وبعد مسير 03 ساعات دخلوا البلدة ... فهل نسمح لأنسفنا بتقزيم العمل البطولي لبوشندوقة بالقول أنه ارتجالي ونتناسى زيارة الأسقف بافي؟ شوال/ آفريل 1861 ... هجوم مفاجئ على الجلفة !! في يوم 16 آفريل 1861 وردت رسالة تلغرافية إلى الجزائر من الجنرال دوينز قائد مقاطعة المدية. هذا نصها: "لقد علمت للتو بحدث على قدر كبير من الشناعة وقع بالجلفة. القرية تعرضت لهجوم ليلة الخامس عشر من هذا الشهر من طرف عصابة تتشكل من 50 إلى 60 عربي بعضهم يحمل سلاحا ناريا. طفلة صغيرة وإثنان من السكان قتلوا وثلاثة آخرون جراحهم خطيرة. كل السكان لجؤوا إلى البرج. وبمجرد أن علموا بالحدث من السكان خرج الضباط والكتيبة وقتلوا الكثير من المهاجمين ومن بينهم شخص معروف وآخر كان يحمل رسالة. تم تكليف فصيلة السبايسية بمطاردة الهاربين. لقد حولت لكم التفاصيل التي أرسلها لي الملازم دورسي ... الصيحات التي كان يرددها المهاجمون هي "الله" و"سي موسى". أرجو أن تبعثوا لي الأوامر بالتلغراف لكي أبعث تعليماتي الى الجلفةوالأغواط. إمضاء دوينز". انتهى نص التلغرام. يبدو لنا من التلغرام أن عدد المهاجمين لا يفوق 60 مقاوما منهم من يحملون سلاحا ناريا وأن الضحايا هم 03 قتلى و03 جرحى وأن العسكريين الفرنسيين قد تمكنوا من قتل الكثير من المهاجمين ... هل هذه الرواية هي محل اتفاق بين الفرنسيين؟. لنلق نظرة عما نقله دوسوني نفسه حول ذلك من خلال الكتاب الذي ضمّ وثائقه ومراسلاته. فهو ينقل أن المقدم بوشندوقة كان معه ما بين 200 إلى 300 عربي في طريقهم إلى الزيبان (زاوية سي المختار) ليتضح أنهم سيهاجمون "المسيحيين" بالجلفة باستغلال يوم السوق ثم الإنتظار إلى الليل للإنقضاض على فرائسهم، على حد تعبيره. ويقول دوسوني أن قرية الجلفة تضم 30 كولون وفيهم اليهود والعرب وأن الحامية العسكرية لا تتوفر سوى على 50 جندي بقيادة ملازم نجحوا في تفريق المهاجمين وقتلوا بعضهم. ومع وصول دوسوني ألقي القبض على بعضهم وتم عقد ما يشبه مجلسا حربيا ثم إعدام 10 من المهاجمين في عين المكان. وهكذا يتضح لنا أن تناقضات في الأرقام ما بين برقية الجنرال دوينز وما روته مذكرات الرائد دوسوني ... وفي الحقيقة هذا التضارب ماهو إلا نتيجة المحاولات الفاشلة للتغطية على جريمة اقترفها المحتل. مطمورة السطاعش ... جريمة صليبية !! يقول دوسوني يقول بأنه قد أعدم 10 مقاومين بينما الأسماء الموثقة هي لسبعة فقط. وهذه هي أسماؤهم: من عرش سحاري الخبيزات "بن عامر بن سعد، قاسم الصديق، يحي بن الطيب". ومن عرش أولاد سي أحمد "علي بن معطار، أخو القاضي سي أحمد بن معطار، براقة بن يطو، بوبكر بن علي" ... هؤلاء الشهداء السبعة رماهم الفرنسيون يوم الجمعة 19 آفريل 1861 في بئر جافة ووضعوا فوقهم الحطب ويقال أنه قد وضع فوقهم الشوك أيضا. بينما يقول دوفيلاري أن السجون لم تكن متوفرة وإنما هي فقط حفر (مطمورات) تستعمل لهذا الغرض وأنه يتم العمل بذلك في مسعد وزنينة. وفي مقابل جريمة الرائد دوسوني فإن الرواية الفرنسية حاولت ولو ضمنيا إلصاق الهمجية بالمهاجمين في قضية قتل الطفلة النائمة، ذلك أن الظرف الذي صاحب الهجوم على الجلفة يدحض كل الإدّعاءات. فقضية الطفلة النائمة التي قتلت في الهجوم جاء الرد بشأنها في تقارير الفرنسيين أنفسهم حيث أن دار "فورنيي" قد دخلها عشرون 20 مقاوما في آن واحد وسط الظلام وأنهم كانوا يقذفون الحجارة ويهاجمون بالسكاكين. وقد ذكر التقرير أنه لما طلع النهار كانت الشوارع مليئة بالحجارة كبيرة الحجم. ومن الجدير بالذكر أن المقاومين لم يكونوا ليقتلوها لو أنهم شاهدوها لأن الإسلام يُحرّم قتل الأطفال والشيوخ والعجائز بل وحتى قطع الأشجار. وقد أشار "بنجامين براور" إلى ملاحظة مهمة وهي أنه لم يتم التنكيل بأي جثة ولم يُر أي أثر للذبح على أي منها. أما بالنسبة لمحاولة الفرنسيين تقزيم الهجوم في تقاريرهم والقول بأن بوشندوقة خدع أتباعه بأنه سيأتي بكرامات وعجائب فإنه يكفي أن تقارير الفرنسيين قد فضحت زيفهم حينما أشاروا إلى أن المهاجمين اختاروا التسلل ليلا وأن بوشندوقة تفقد الدار الأولى فلما وجدها فارغة تقدموا إلى القرية ... ثم إنه لو كانت هناك قصة اسمها "كرامات بوشندوقة" لكان قد هاجم في وضح النهار ولكان قد هاجم الحامية العسكرية أولا وليس القرية ... أم أن الكرامات التي حدثنا عنها الفرنسيون لا تعمل إلا على العاشرة ليلا؟. مصير بوشندوقة ... بعد الضربة التي وجهها بوشندوقة للمحتل الفرنسي في رمز قوته بالمنطقة. التحق هذا الأخير بالمقاوم بن ناصر بن شهرة حسب مراسلة صادرة في 05 جوان 1861 والتي اعترفت بفشل تعقبه والقاء القبض عليه. ثم صدرت مراسلة أخرى بتاريخ 29 جوان موجهة إلى قائد ملحقة الجلفة تخبره بأن بوشندوقة قد دخل تونس وأن قضيته محل مراسلات مع قنصل فرنسا في تونس. وفي تاريخ 05 سبتمبر 1861 تلقت مقاطعة المدية مراسلة عسكرية من بسكرة عن إرسال جاسوس إلى نفطة بتونس من أجل جمع معلومات استخباراتية عن بوشندوقة وفشل الجاسوس في ذلك. وسنجد بوشندوقة في منطقة الجغبوب (حاليا بدولة ليبيا) في سنة 1881 بمعية شيخ السنوسية محمد المهدي السنوسي، والد أول ملك لدولة ليبيا. ولا نعلم مصيره بعدها غير أنه يُقال أنه قد هاجر إلى مصر وأن لديه ذرية هناك، وهو ما لم نتحقق منه ولم نجد عنه مصادر قديمة تذكره. التداعيات ... مخطئ من يعتقد أن جريمة دوسوني هي فقط ما وقع من تداعيات على أهل ملحقة الجلفة وخصوصا عرش أولاد سي أحمد. ميليشيات الكولون بالجلفة ... بين أيدينا مراسلة من أرشيف ما وراء البحار فيها قرار تعيين السيد جون فورنيي على رأس ميليشيات الجلفة في مكان الكولون لابر. وهو ما يعني أن الهجوم على الجلفة قد كان له وقع ورعب كبيران ضد أولئك الأوروبيين الذين حازوا الأراضي والممتلكات بقوة المحتل بعد مصادرتها من أهلها. عزل آغا أولاد سي أحمد والقايد ... بتاريخ 17 ماي 1861 أصدر الحاكم العام للجزائر الماريشال بيليسيي قرارا بعزل آغا أولاد سي أحمد "محمد بن عزيّز" لتسامحه مع التمرد الذي وقع بقبيلته وكونه لم يحاسب منفذي هجوم الجلفة ولم يبلّغ عنهم. كما أن منصب آغا أولاد سي أحمد لن يتم تعويضه. وتم إقرار مثول بن عزيّز أمام اللجنة التأديبية للملحقة رفقة القايد "بن سليم". وبتاريخ 28 ماي تقرر تحويلهما إلى سجن المدية رفقة مقدم آخر من زنينة وسجينين آخرين. وقد توفي الأغا السابق "محمد بن عزيّز" بمستشفى سور الغزلان (أومال) بتاريخ 03 سبتمبر 1861. مصادرة ممتلكات منفذي الهجوم ... أمر الحاكم بإحصاء منفذي الهجوم وممتلكاتهم. وصدرت مراسلة عن مركز الجلفة موجهة إلى الجنرال حاكم مقاطعة المدية بتاريخ 25 ماي 1861 تحت رقم 198 وفيها الإشارة إلى أن منفذي الهجوم ومعاونيهم بلغ 62 شخصا وأن ثرواتهم كالآتي: 210 جمل، 1994 رأس غنم، 423 رأس ماعز. وقد تم مصادرة هذه المواشي وبيعها. ويبدو أن هؤلاء المهاجمين قد تم القاء القبض على بعضهم بدليل المراسلة المؤرخة في 23 جوان والتي تطلب تخصيص غلاف مالي لترميم البناية التي وضعوا فيها. كما تقرر أيضا، في 20 ماي، الأمر بإلقاء القبض على المقدم سي الصادق. الذي ألقي عليه القبض لاحقا ووُضع بسجن الجلفة وتم مراسلة قائد مقاطعة المدية في يوم 28 ماي بشأن تحويل سي الصادق إلى سجن المدية. وتم أيضا تأجيل تعيين قايد جديد لأولاد بوعبد الله وطلب معلومات عن القايد المرشح لهذا المنصب إن كان "خوني" وإلى أي طريقة صوفية ينتمي؟ الباشاغا سي الشريف بلحرش محل شبهة ... تم وضع الباشاغا تحت مراقبة عيون المحتل الفرنسي بسب الإشتباه في كونه متواطئا مع بوشندوقة. وكذلك لأن بوشندوقة قد لجأ إلى زاوية رحمانية في تونس شيخها هو صديق سي الشريف بلحرش. وقد تم مصادرة ختم الباشاغا سي الشريف وصارت تحركاته مرصودة ومثال ذلك "التويزة" التي صارت مرتبطة بقرار من السلطة الفرنسية، وقد ارسل ختم جديد إلى سي الشريف بتاريخ 31 ديسمبر 1861. وبالتوازي مع ذلك تم تكليف الباشاغا بإدارة شؤون أولاد سي أحمد دون تعيين آغا لهم. كما صدرت مراسلة بتاريخ 09 جوان 1861 من الجنرال دوينز إلى قائد ملحقة الجلفة وقائد دائرة الأغواط تدعو إلى الحد من نفوذ الباشاغا سي الشريف بلحرش ومراقبة نطاق تحركاته وبسبب ذلك اضطر إلى تقديم طلب رخصة "تويزة" في 13 جوان. وسنلاحظ أن كل التعيينات في مناصب القضاة والباش عدل والقياد تتم بقرارات ومراسلات مباشرة بين الملحقة والدائرة ومقاطعة المدية وأحيانا الجزائر العاصمة. وهو ما يعني أن الباشاغا لم تكن له صلاحيات بل له منصب شرفي فقط إلى أن تم اغتياله ... وسنعود في تحقيق تاريخي إلى قضية اغتيال الباشاغا سي الشريف بلحرش في أكتوبر 1864. عزل القاضي بن معطار ... تقرر ذلك يوم 05 جوان مع الأمر بإرسال مقترحات من يخلفه في منصبه. والسبب هو أن شقيق القاضي هو أحد من هاجموا الجلفة رفقة بوشندوقة. القادة العسكريون الفرنسيون يُزكّون دوسوني ... رغم أن جريمة "مطمورة السطاعش" هي قمة الهمجية حين تضع عشوائيا 16 شخصا أعزل في بئر ثم تختار منهم 07 وترميهم بالرصاص وهو في البئر ثم تردمهم ... إلا أن الحكام العسكريين لم يعاقبوا الرائد دوسوني بل تم فقط تحويله كقائد لدائرة سعيدة بعد أن شغل هذا المنصب في دائرة الأغواط. لنبدأ أولا بالحاكم العام ألا وهو الماريشال السفاح بيليسيي الذي له السبق في الجرم في مجزرة "غار الفراشيش" سنة 1845 حين كان عقيدا وأحرق أكثر من 1150 فرد من قبيلة أولاد رياح لنجده سنة 1861 حاكما عاما وبرتبة ماريشال!! ... قام بيليسيي بعزل دوسوني من قيادة دائرة الأغواط يوم 19 ماي 1861 ثم استدعاه إلى الجزائر وصافحه قائلا "هيّا أيها الرائد ... دعنا ننسى ما حدث فأنت رجل الواجب" وبعدها عيّنه قائدا على دائرة سعيدة بعد أن كان قد قضى 06 أشهر بالأغواط ... السفاح بيليسيي قال لمقربيه عن جريمة الجلفة "لقد أدى دوسوني واجبه بوعي" ... أما الجنرال يوسف قائد أركان قطاع الجزائر بالناحية، فهو أيضا، مثل بيليسي، وقد كان له السبق في الحرق والتقتيل والتغريم ضد قبائل بلاد أولاد نايل لأنهم أفشلوا الحملة الكبرى التي قادها لمطاردة الأمير عبد القادر سنة 1846. وقد كتب يوسف للحاكم العام يوم 20 آفريل 1861 يقول "عندما وصل دوسوني إلى عين المكان أمر بقتل 07 من الأهالي رميا بالرصاص. إن الشخصية القوية والهدوء الكبير والثقة الكاملة صفات أعرفها في هذا الضابط السامي ... ودون أن أبحث عن الأسباب التي أدت به إلى ما فعله فإنني أقول بصفة مسبقة بأنني لا أملك إلا أن أوافقه ...". أما الجنرال دوينز قائد مقاطعة المدية فقد كتب يقول "السيد دوسوني رجل يفكر كثيرا، جادّ بعمق إلى درجة أنه لا يقدم على أي عقاب آني دون حساب ... حتى ولو كان إعداما". ثم نجد دوينز يستدرك في رسالة أخرى ويقول "بالنسبة لي، عزيزي الرائد، فإنني لن أتخذ قرارا مماثلا من أجل طمأنة السكان ومعاقبة العرب ... ولهذا فأنا لم أخبرك سوى بانطباعاتي الشخصية وأنني لا أصفق لك". والآن لنتأمل ما يسوقه دوسوني نفسه في سياق تبريره لجريمته. فقد رجع إلى الأغواط مباشرة بعد تنفيذ جريمته ووصلها قبل الأسقف بافي. وهناك قال له بافي "أيها الرائد، لقد لعبت لعبة كبرى" فردّ عليه دوسوني قائلا "أنا أعرف العرب ... إذا لم أقمعهم اليوم فسوف يعودون غدا. لقد استشرت ضميري ووجدت أنه من واجبي حماية الطيّبين بإرهاب الأشرار" ... هذا الكلام لا ينطق به إلا جنرال مشبع بروع عنصرية مقيتة يغذيها التعصب الصليبي ... السفاح دوسوني ولدت له طفلة في جويلية من نفس السنة ولأن روحه الصليبية متجذرة فيه فقد أطلق عليها اسم "مارتي كارمل" نسبة إلى "القديسة مون كارمل" ... وسنجد أحد الكتاب الفرنسيين يؤلف كتابا سنة 1949 عن شخصيتين كاثوليكيتين بعنوان "قصّتا حب مسيحي ... السعيدة تايڨي والجنرال دوسوني". كما أن الجنرال دوسوني سينال في سنة 1880 وسام "comte romain" من البابا ليون الثالث عشر وهو الوسام لكل من خدموا الكاثوليكية فصار الجنرال يحمل لقب "comte romain et de Sonis". قالوا عن جريمة "مطمورة السطاعش" ... السيد بوخلخال سعيد (كاتب ورئيس سابق بلدية الجلفة) A propos de Matmourat 16: il ya lieu de préciser qu'après l'attaque du poste de Djelfa par Tayeb Bouchandouga à la tête de 50 fidèles tuant 03 Français et blessant 28 dans la nuit du Dimanche 14 Avril 1861. Le lieutenant Dursus chef d'annexe; fit ramasser 16 citoyens de la zone rurale et les jeta dans une fosse - matmoura - en attendant l'arrivée du Commandant De Sonis de Laghouat (dont dépendait Djelfa / Arrivé sur place le 16 avril le commandant dressa un tribunal militaire sur le champ pour juger les suspects Ce tribunal -illégitime- de 06 officiers se réunit le mercredi 17 à 7 h du matin et entend les accusés et des témoins de la garnison jusqu'au jeudi 18 à 11 heures du soir. Le verdict: 07 citoyens sont condamnés à Mort. ils seront exécutés le lendemain Vendredi 19 Avril à 7 h du matin en présence de la population convoquée à cet effet et en présence de Monseigneur - Pavy- évêque d'Alger venu la veille inaugurer l'église de Djelfa / Les 7 Martyrs sont : Ben Ameur Ben Saad- Ben Gassoum ben Seddik - Yahia ben Taleb - Ali ben Mootar - Embarek ben Abdelmalek - Boubaker ben Ali - Berraga ben Yatou. A ce jour aucune commémoration n'est faite à la mémoire de ces Martyrs. الدكتور محمد الطيب سالت (جامعة الجلفة): لم تكتف السلطات الاستعمارية بإعدام المهاجمين دون محاكمة عادلة بل قامت بحملة اعتقالات واسعة ضد بعض العروش خاصة ممن لهم ضلع في عملية الهجوم واقتادوا للسجن كل مشبوه. ناهيك عن تسليط غرامات مالية قاسية ومصادرة ماشيتهم. وتذكر التقارير الفرنسية وبعض المؤلفات أن ضحايا هجوم بوشندوقة ليلة 14 آفريل 1861 بلغ أربعة قتلى وحوالي خمسين جريحا ... وتتطابق روايات شفوية هي الأكثر تداولا بين سكان الجلفة أن المستعمر الفرنسي الغاشم قام بحفر حفرة كبيرة أسفل برج الجلفة ثم رمى بها المقاومين وهم أحياء ثم أشعلوا النار فيهم. كانوا حوالي 20 فردا وحوالي 10 أفراد رموا بهم في الأساسات التي بنيت فوقها "دار البارود" في موقعها الحالي ... جريمة تاريخية نفذها المستعمر الفرنسي وببرودة في حق مقاومين أرادوا الدفاع عن حرمة منطقتهم وأخذت نفس أساليب الإبادة الجماعية التي دأب المستعمر الفرنسي على تنفيذها في مختلف المداشر والقرى. الأستاذ بن سالم المسعود (جامعة الجلفة): هناك كتابات مهمة حول "مطمورة السطاعش" وانتفاضة بوشندوقة ولعل أقدمها مقال الكاتب الصحفي عبد الرحمان شويحة وكتاب "قرون السهوب" للأب فرانسوا دوفيلاري. أما أحدثها وأهمها على الإطلاق فهي كتاب البروفيسور بنجامين كلود براور الصادر سنة 2005 وكتاب الدكتور الطيب سالت الصادر هذا العام. اتصلنا بالبروفيسور بنجامين براور في ديسمبر 2019 وطلبنا منه الإذن بترجمة كتابه لما فيه من معلومات مهمة وكذلك من أجل التعليق والرد على بعضها. غير أنه أعلمنا أن كل الحقوق الفكرية هي ملكية لجامعة كولومبيا. هذه الأخير باعتها لدار النشر اللبنانية "دار الروافد" والتي تمسّك صاحبها بحقوق الترجمة. وأعلمنا بأنه قد تم ترجمة الكتاب وأنه يمكن اقتناؤه من الجزائر ووهران. نتمنى أن الترجمة كانت أمينة وصحيحة من حيث الضبط الأعلامي والأماكني والمصطلحات الصوفية والتاريخية. وحول كتاب برارو نرى بأنه قد تأثر بالرواية الفرنسية التي تسعى دوما إلى تقزيم فكرة الجهاد وحصره في صراعات شخصية كما هو الشأن في القول أن بوشندوقة كان في صراع زعامة دينية مع سي الصادق. ونلاحظ هنا إهمال سياق الحرب الدينية على الجلفة وعدم السماح ببناء مساجد بها والأهم هو زيارة الأسقف باقي صبيحة اليوم الموالي للهجوم ... فهل ذلك مجرد صدفة؟. غير أن البروفيسور براور يستدرك بتقديم آراء منطقية وتحاليل استنتاجية خلاصتها أن المحتل الفرنسي قد خلق ظروفا جعل الناس تثور ليقول براور في كتابه أن ما قام به سي الطيب بوشندوقة ماهو إلا عمل سياسي محض ضد إدارة المحتل الفرنسي. في رأينا أنا أكبر خطأ ارتكبته بلدية الجلفة هو السماح باختيار الموقع الذي بُني فيه النصب التذكاري سنة 1984. فبغض النظر عن جهلهم بموقع عظام شهداء "مطمورة السطاعش" فإن النصب قد غطّى على واجهة أثرية مهمة وهي البوابة الشرقية لبرج الجلفة والسور القديم لها. ولهذا نقترح كباحثين وكأبناء للجلفة أن يتم إزالة هذا النصب المبني سنة 1984 وبناؤه في موقع آخر وإجراء حفريات بالمكان وترميم ما تبقى من سور الجلفة التاريخي وبناء نصب تذكاري لشهداء "مطمورة السطاعش" وإبراز البئر كشاهد أثري وتثمين الموقع وإلحاقه بالمتحف البلدي ليكون محل زيارات للباحثين وأبناء الجلفة ... والأهم من كل ذلك هو الإهتمام بحديقة الحرية ولم لا تسمى بحديقة "شهداء 1861" أو "حديقة انتفاضة بوشندوقة". البروفيسور بنجامين كلود براور (جامعة كولومبيا، و م أ): By 1861 the people of Djelfa faced a critical economic situation. Many observers in the administration wanted to locate the cause of the crisis in the ongoing drought. Certainly the impact of the harsh climate was not negligible. Drought, floods, hail, and insects devastated the crops and herds of Djelfa like so many biblical plagues. Leading up to the April 1861 attack, the region had endured six years of poor rainfall; the winter pastures of the Sahara had not seen a drop of rain all winter, which was normally the wettest season. Nonetheless, the Ouled Naïl had long survived nature's deluges, the "misfortunes of the age." In the case of the 1861 attack on Djelfa, the local administration's focus on socioeconomic issues yielded an impressive body of data even if, as I have pointed out, it remains problematic at times. I have previously surveyed the material causesfor local discontent. Herd losses, disastrous harvests, rising food prices, and ongoing drought hit the Ouled Naïl hard. Figuring into the agrarian crisis were the fiscal charges of the colonial regime. French taxes were a burden that few Ouled Naïl could bear in 1861. Finally, there were the conflicts over changing patterns of land use and modes of production—perhaps the most cataclysmic of the social transformations brought about by the French occupation of Djelfa. These increased intracommunal tensions, on the one hand, and were totally unsuited to the local environment, on the other, leaving people at considerable risk. The attack occurred at the moment when the people near Djelfa were beginning to feel the full negative effects of French colonialism. الأستاذ شويحة حكيم (باحث وكاتب صحفي): "مطمورة السطاعش" مثل ما احتفظت بها الذاكرة الجماعية لسكان المدينة، حادثة مهمة في تاريخ مدينة الجلفة. إنها تعكس جانبين مهمين في النظرة العامة للإستعمار، فهي المقاومة التي تمثل رفض الأهالي الخضوع للمستعمر وهي في نفس الوقت تعكس طغيان الإستعمار والجرائم البشعة في حق الجزائريين ... وتنفي تلك الصورة الحضارية التي أراد المستعمر الفرنسي تسويقها للمجتمع الدولي... هجوم ليلة الخامس عشر من آفريل سنة 1861 هو انتفاضة حقيقية وحلقة من حلقات التاريخ المحلي والوطني ... ** للموضوع مراجعه ومصادره صورة متخيلة للمقاوم سي الطيب بوشندوقة (رسم الفنان: دقمان السعيد/ المصدر السيد بوخلخال السعيد) موقع العثور على العظام سنة 1984 نظرة عامة للبواب الشرقية لسور الجلفة النصب التذكاري "مقام الشهيد عمر ادريس"