حميد ناصر خوجة تعود علينا الذكرى الخامسة (16 سبتمبر 2016) لرحيل الأديب الناقد والشاعر "حميد ناصر خوجة"، والعالم كلّه يعيش مرحلة انتقالية، من الأحادية القطبية أي "نهاية التاريخ" إلى "التعددية القطبية" أي بداية تاريخ جديد، بعدما يشبه حربا باردة غير معلنة، أحداث لم تشأ الأقدار أن يحياها أديبنا الراحل، الذي نتذكره اليوم في هذا المقام، والحزن يتسرب من نواح عدّة يضيق المجال عن حصرها، وقد يسّر الله في هذا العام الأخير كتابة كتيّب عبارة عن تذكار لهذا الأديب، سيرى النور قريبا، وهو بعنوان: " تذكار حميد ناصر خوجة: سيرة الوفاء"، وفاء متعدّد، يمتح وجوده من شخص "عمي ناصر" نفسه وشخصيته، ويبدأ من وفائه للنص الأدبي، وينتهي بوفائه للشاعر الأستاذ الذي يختزن كلّ مشاعر الأبوة: "جون سيناك"، مرورا بمحطات وفاء أخرى، قد يضيق المجال عن حصرها، لكنه لا يعفينا من ذكر بعضها، فمنها وفاؤه للحرف شاعرا "على كل الجبهات"، وروائيا يحكي مراهقة مصادرة وحبا مستحيلا، وناقدا وفيا لنهجه، يكتشف هذا ويشجّع ذاك، ووالدا وفيا عطوفا على أولاده وأهله ورفيقة دربه، ولأننا رأينا في هذا العنوان عنوانا مناسبا لحياته ومسيرته، أي جامعا مانعا –كما يقال- فقد أزحناه عتبة نمرّ من خلالها إلى عوالم "عمي ناصر"، وارتضيناه دليلا يحوي كل المعاني الممكنة. وإننا في هذه الذكرى سنقتصر على مقال مقتطف من كتابنا المذكور، علّه سيرى قريبا النور، متمنين أن يفي هذا المقتطف بالغرض، ويكون بمثابة ذكرى وتذكر لعائلة ومحبي وتلاميذ وأصدقاء، فقيد الثقافة الجزائرية الأستاذ الدكتور حميد ناصر خوجة، فدونكم بعض من مجهودنا المتواضع (*): تميّزت السنوات الأخيرة من حياة "عمي ناصر" بنشاط فكري وثقافي لافت للنظر، وخاصة على مستوى نشر المقالات وإعداد ملفات لمجلات مختلفة، وكأنه كان بذلك النشاط يودّعنا بطريقته الخاصة، وكأنه كان يحاول أن يفرغ كل ما في جعبته، ويمكننا هنا أن نذكر على وجه الخصوص منبر مجلّة "ليفراسك" L'Ivrescq حيث بادر باقتراح ملفّات هامة، موفّرا مادتها الأولية، وهو جهد إعلامي وبحثي كبير، لا يدريه إلا من جرّبه ومارسه، ونحاول هنا أن نعدّد بعضا من تلك الجهود، وهي كما يلي: - العدد 15 الصادر شهري "جانفي/فيفري 2012، كتب حميد ناصر خوجة عن "ايمانويل روبلس، الروائي صديق ألبير كامو ومولود فرعون مقالا بعنوان: "المتوسطي الخالد"، احتلّ صفحتين هما: ص28 وص29، وكان عبارة عن استرجاع لمحطات حنين من حياة هذا الأديب. كما شهد ذات العدد مقالا آخر بالتزامن مع الذكرى الخمسين لصدور رواية "آسيا جبار" الموسومة ب"أطفال العالم الجديد" وكان المقال تحت عنوان: مداومة وقطيعة" وقد أخذ أيضا صفحتين من المجلة هما: ص 30 وص31. والاحتفاء بهذه الرواية معناه احتفاء بميلاد روائية جزائرية مميّزة، تحمل همّ الوطن في وقت كان الوطن فيه بحاجة إلى جميع أبنائه، وطبعا لم تكن هذه الرواية، هي رواية آسيا جبار الأولى، فقد سبق أن كتبت رواية مميّزة على طريقة "فرانسواز ساغان"، وهي مثلها تماما ابنة الستة عشر ربيعا. كما نجد في ذات العدد مجهودا آخر لعمي ناصر، حيث وعلى مدار الصفحات من 56 إلى 59 حاور الشاعر والروائي "يوسف مراحي" حوارا أدبيا ممتعا تحت عنوان: عندما يأخذ الشعر قصب السبق على الرواية، حاول فيه المحاور والمحاور كلاهما أن يبيّنا مكانة "الشعر" ودوره الطلائعي في شحذ الهمم والتغني بالمآثر والأوطان. - أما في العدد 16 فنجد ملفا احتفائيا بالذكرى الخمسين لاغتيال مولود فرعون (1913-1962)، اختارت المجلة جملة "الإرث الفرعوني" عنوانا له، وهو العدد الصادر شهري "مارس وأفريل عام 2012، كان هذا الملف من اقتراح عمي ناصر، وقد تميّز بنشر رسائل غير منشورة من قبل بين كل من مولود فرعون وألبير كامو وبين فرعون وروبلس، واحتوى الملف على حوار مع "علي فرعون" نجل الأديب الراحل غدرا مولود فرعون، وقد برع عمي ناصر أي براعة وهو يكتب مقالا رائعا حول كتاب "جون فيليب ولد عاودية" نجل أحد الستة المغتالين مع فرعون والمسمى "علي ولد عاودية، حيث ركز فيه عمي ناصر على الطريقة التي رأت بها الصحافة الجزائرية هذا الحدث الهام، حدث إعادة طبع هذا الكتاب الجد هام، وهو سؤال مهم، يسلّط الرؤية على كثير من المناطق المعتّمة في التاريخ الجزائري. - أما في العدد 18 الصادر شهري جويلية وأوت 2012، فقد نشر عمي ناصر مقالين رائعين عن الفيلسوفة سيمون فيل Simone Well، الأول بعنوان: "سيمون فيل والجزائر المستعمرة" على الصفحتين 26 و29، والثاني عبارة عن تقديم لرسالتين أرسلتهما "سيمون فيل" لصديقها "أنطونيو آتاريس" الذي كان حينها معتقلا في منفى "عين أسرار" بالجلفة (1941-1942) وذلك على الصفحتين: 30 و31. - أما في العدد 19 الموافق لشهري سبتمبر وأكتوبر 2012، فقد تحدث "حميد ناصر خوجة" في مقال ثري جدّا عن "حرب الجزائر، حرب المكتوب"، توزّع المقال على الصفحات من 50 إلى 56، وكان بمثابة استنطاق لنصوص مميّزة كتبت عن ثورة التحرير، مقال ذا أهمية كبرى، له أولوية الترجمة، عندما ييسّر الله مترجما لأعمال هذا الأديب الفذّ. - وفي العدد 21 الموافق لشهر جانفي 2013م، كتب "حميد ناصر خوجة" تغطية في الصفحتين 08-09 لفعاليات ملتقيين دوليين هامين نظمتهما جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف، الأول يتعلّق ب"بول روبير" (1910-1980) Paul Robert ابن مدينة الشلف، هذا الملتقى الذي شهد محاضرات ذات مستوى عال، وتمّ نشر فعالياته في كتاب عن طريق دار النشر "الحبر" في الجزائر، أما الملتقى الثاني فقد كان يعالج إشكالية "تدريس اللغة الفرنسية في عصر الإصلاحات" ولاحظ عمي ناصر أن إشكاليتا هذين الملتقيين جد هامتين، حيث تعكسان جدّية هذه الجامعة، كما كان ل"حميد ناصر خوجة" مقالة ثانية ي هذا العدد تحت عنوان: "الجزائر البيبليوغرافية: كتاب الكتب" على امتداد الصفحتين 16 و17 تحدث فيها عن ندرة الكتب التي جمعت جمعا بيبليوغرافيا ما كتب عن الجزائر، وهو عمل توثيقي هام، وقد قدّم فيه بعض الأمثلة تدور حول هذه الإشكالية. - أما في العدد 22 الموافق لشهر فيفري 2013 فقد كتب "عمي ناصر" مقالا حول مئوية ميلاد العديد من الروائيين والكتّاب حول العالم من أمثال: فرديناند دي سوسير، الشاعر الهندي طاغور، الروائي المصري ألبير قصيري، الروائي الجزائري مولود فرعون، الروائي العالمي ألبير كامو، المفكر روجي غارودي، السنغالي ليوبولد سنغور، الروائي كلود سيمون، والشاب الروائي آلان فورنيي، وغيرهم، مقال يحتفي بذكرى هؤلاء ويذكّر بهم، وهذا ليس أمرا مستغربا على قلم عمي ناصر، الوفي دائما للأدب والأدباء. - أما في عدد شهر أفريل 2013، العدد 24، قد ساهم فيه ناصر بمقالين هامين، أحدهما حول خمسينية الاستقلال ومئوية "ألبير كامو، والآخر بعنوان: "مصطفى الأشرف، معروفا، وشبه معروف"، كما تضمن العدد بيبليوغرافيا هامة أعدّها "عمي ناصر" عن الكتاب الجزائريين الذين كتبوا كتابا عن "ألبير كامو". - أشرف "عمي ناصر" على ملف العدد 25 الموافق لشهر ماي 2013، وقد كان مخصّصا للذكرى العشرين لاغتيال الروائي والصحفي "الطاهر جاووت"، وكان عبارة عن جزء من كتاب نشرته "دار البرزخ" عن الأديب الراحل، وقد عنون "عمي ناصر" تقديمه لهذا الجزء/الملف ب"الطاهر جاووت بيننا". - وفي العدد الخاص بالمنتدى الأدبي: نقاشات، محاضرات، قراءات، جائزة ليفراسك" وهو العدد 34 الموافق لشهري جوان/جويلية 2014، فقد نشرت المجلة المداخلة الكاملة ل"عمي ناصر" في المنتدى، وقد كانت بعنوان: "في الحديث عن تقديم المجلات الأدبية" (ص ص 17- 19). - أما العدد 35 الموافق لشهر أوت 2014، فقد تشرّف بأن كتب عمي ناصر افتتاحيته، مصدّرا لها بعبارة لفرانسوا مورياك: "أن تقرأ هو أن تعيش حياتين"، إضافة لذلك فقد خصّ عمي ناصر هذا العدد بمقال أكثر من رائع عن مجلة "سطوح" (1952-1953) terrasses محاولا وضع بصمة في التاريخ الأدبي الجزائري، مع نشره لبيان احتجاج وقّع عليه حينها، عدد من الأدباء المميّزين على رأسهم جون سيناك، ومن بينهم: ألبير كامو، مولود معمري، محمد ديب، كاتب ياسين، وجون دو ميزونسول. - وفي العدد 39 الموافق لشهر أفريل 2015، كتب عمي ناصر افتتاحيته مصدّرا لها بعبارة قالها فيكتور هيغو، عشية وفاة "جورج صاند" في 8 جوان 1876م، وتقول العبارة: "أبكي ميّتة، أحيّي خالدة" Je pleure une morte, je salue une immortelle، ثم أفاض في الحديث عن محتويات هذا العدد وأهم مقالاته، وكان هذا العدد قد حوى ملفا عن رحيل الروائية الكبيرة آسيا جبار، التي كانت أديبة كبيرة، لم يتسن للأجيال الناشئة أن تعرفها بعد. - أما في العدد 41 الموافق لشهري جوان وجويلية 2015، فقد خصّه "عمي ناصر" بمقالين، الأول حول "محمد خدّة كمؤسس وناقد فني" تحدث فيه ناصر عن ندرة الكتابة حول الفن التشكيلي في الجزائر، مثمّنا جهود محمد خدّة في هذا المجال، وخاصة كتابيه: "عناصر من أجل فن جديد" (1972) Eléments pour un art nouveau و"في سبيل تجميع للأوراق المتفرقة" (1983) Feuilles épars liés واللذين أعادت طبعهما دار البرزخ في كتاب واحد عام 2015، أما المقال الثاني فقد كان بعنوان: "عودة ألبير ميمي" يتحدث فيه عن ضرورة قراءة هذا الكاتب والروائي وعالم الاجتماع التونسي ثم الفرنسي، كونه مؤسس لفن أدبي جديد يتموضع بين السيرة الذاتية والمحاولة الأدبية تلك المحاولة المتعلقة بالفكر أساسا. (*) مقتطف من كتاب عبد القادر حميدة: "تذكار حميد ناصر خوجة: سيرة الوفاء" (قيد الطبع). الأديب حميد ناصر خوجة رحمه الله للبقاء على اطلاع دائم بالأخبار عبر جريدتكم "الجلفة إنفو" الإلكترونية و تلقي الإشعارات، قم بتحميل تطبيق الجلفة انفو