يرتبط البحث عن الحقيقة بأسرار طبيعية كامنة قد تصبح هاجسا يمتد مع امتداد الزمن و يشكل أسلوب انتقاء لوظائف مختلفة و متناقضة فقد قال الشاعر الرومانسي الإنجليزي شيللي: "" في أعماق كل شاعر نداء خفي إلى عالم أكثر أمانًا وبراءة"". وقال وردز ورث: ""في روحي نداء قد أترقبه أو أستلهمه من الطبيعة أو من تلك الشجيرة النابتة تحت نافذة بيتي"". بدايتها التصور الميتافيزيقي لتراكمات الوجع والألم ، هل يمكن أن يكون من الصدفة تتابع هذه الصور على بساطة الوازع المخيالي لدى الشاعر غير أنّه تمكن من نقل تجربة قد تبدو متواضعة ، هل تكفي الطبيعة في هذه الإحالات (إحَالات..) ، إقران بين الذات و الطبيعة ...أنا ، الغيمة ، البحر ، كلها على الهامش الذي صنع منه الشاعر متنفسا موازيا لعالم تعددت فيه مواقفه منها قصيدة : - هامش.. أنا .. والغيمةُ، والبحرُ تيماتٌ ثلاثْ، وأنتِ المتْنُ .. في عُرْي اللُّغهْ! عشرون .. عُمْرُ البحرِ والْ.. باقي نهاياتْ أيَّانَ يُفضي البوحُ، والعمرُ لُغَهْ؟! اعتذار للمجهول الذي لم يحدد نهايته في ظل اصطحاب مشبوه ، اكتفى بالاندفاع لاستنطاق كل الأشياء التي من الممكن أن تصنع شيئا بديلا كالحديث عن أو إلى البحر كهامش يأخذ متسعا من الحركة و حديثا مستمرا ، لغة قد يعتقد الشاعر أنها من الممكن أن تبلغ الهدف و تحقق كثيرا من الغايات التي ظلت مجهولة ، و على الرغم من ذلك لم يقتنع الشاعر ، لأنّ الفكرة التي رسمها منذ البدء تداخلت مع كثير من المواصفات المتشابهة و المعاني الغائرة في الغموض فللبحر خلفيات أخرى كما هي العادة عند الشعراء في استلهام كل صور الوجع و الأسرار ، الحب و الخير ، و في هذا السياق لم يكتف الشاعر بمقابلة المشاهد المتناقضة ، إنّما اقتضت التجربة و عمرها ناضج غض ألا تنسحب دون الإمساك بالحقيقة التي افتقدها في كثير من مواضع مجهولة : للبحر آلهةُ عينيك ولي نبيذُ الشهوة الحمراءِ فيك ... ... إنْ كان للشَّهوة لونٌ أو زمانٌ أو لُغَهْ! و لأنّ الهاجس الذي لا يمكن أن يتغير و يزداد صعوبة كلما استمر صراعه مع ذاته و كعنوان لقصيدته (الهاجس) ذلك لأنّ المصطلح في حد ذاته يشكل رغبة غير واضحة ، تعمّد الشاعر في إبقاء صفة الغموض غالبة و ربما هذا الأسلوب ساعده على عملية البحث و الاكتفاء بتوظيف عناصر الأشياء ولو غامضة ليتمكن من معرفة مل الأسباب التي من الممكن أن تساعده على كشف العديد من الأسرار : الهاجسُ.. كُنَّا في الهاجس خيباتٍ ثلاثْ: أل.. أنا أنتِ، وال.. أنا هُوْ، و.. أنا! حين يكون النَّبش في الحُزنِ مزمار المساءاتْ حتى في توظيفه للضمير لم تكن العملية مجرد صدفة بقدر ما تحمل من دلالات نفسية ، محورها الذات التائهة و في مقابل ذلك الضمير المقابل ، و يعني ذلك إسقاطات للحركة فغل /رد فعل ، تنوع واضح في عملية اشتغال الزمن اللامحدود ، إغراق في استقطاب الألوان التي من شأنها تحديد الخلفية النفسية هيولى النَّص.: ها.. إنها هيولىٍ النص فاضحةٌ تخشخش في دمي المصلوب .. جرأتها .. وتنام! ها.. الماءُ أسرف في الأنوثة، هدَّا أسوار الخطيئة من على جنّات حلمتها -كأنْما لم تكن- أراهُ.. أراني يلعنُني المسامْ! و ماذا تعني هذه الرموز و كلها في اتجاه الغموض ، في الحقيقة الشاعر كان بإمكانه أن يتخطى ذلك و من السهل ، لكن العملية ليست عند هذا الحد ، كما لو أنّه يريد أن يبوح بسر و استعصى عليه الأمر لما اكتشف حقيقة لم ترد في مجال بحثه و من دون قصد ، المكان الذي عبّر عنه ب الجغرافيا له دلالة ذاتية قد تعني استجماع كل الأولان و إن كان القصد منها لونا واحدا ، لم يكشف عنه في البداية و ترك تفاعلات الأشياء تستمر في خطها كما أراد هو : للصدر جغرافيا التبجُّح، كالحليب يُميهُني .. ثم أصرخُ: يا غيمَ طفلها الحلبيِّ ما سيكون عليه الكونُ.. لو أنَّ المسافة بيننا بحجم اللون؟! دلالة واضحة لمعنى الألوان في سياق الجمل ، تراصف طبقات أشياء قد يبدو غير طبيعية و لكنها مقحمة في عالم المسافات كما عبر عن ذلك الشاعر نفسه و اعتقاده بتزاحمها إنما من قبيل تقارب قرائنها و تحديد تأويلات مجهولة : في ثقب الفجيعة.. فرّخ القلب المهاجرُ، بيضهُ ثمَّ راحْ! أينايَ يا زغب المواجع؟! سبسبني الفراغُ تخومها، فأخالني كأسا لخمرة عُريهَا وأدوخْ! و هذه المواجع التي آلمت الشاعر و ارتبطت بكثير من المناسبات ، أصبحت هاجسا قويا في كل ما يتخيله أو يفكر فيه ، يسأل نفسه بمختلف الأسئلة و يترك الفراغات تمتد معه ، يستأنس بها ، عملية تنفيس مؤقتة ، و لكنه يبادر إلى تغيير أشيائه ومحاولة اللعب مع عناصر مختلفة قد تبعث فيه التحدي ، يتخلص من انكفائه على ذاته و تجديد أفكاره و محاولة السيطرة على أماكن الألم و تناسي كل الأسباب التي تتكرر مع كل متنفس جديد ، و أحيانا توظيفه للخيال قد يبدو هروبا من الذات ، و حديثه عن تجارب قديمة و إن كانت لصيقة بالآخرين مرتبطة بأساطير لا لأنها مجرد أسطورة و لكنها تحمل دلالات عميقة حركت كوامنه و بعثت ذاته ، لتشابه في محاكاة نشاطات الذات و تفاعلها في مواقفها السلبية و الإيجابية ، حديثه عن (سيزيف) مثلا ، توظيف ممتع لحكاية سيزيف و المغامرة الذاتية : .. تقول الحكاية: حين انتشى نوّار اللّوز وسقسق في الأمسياتِ .. تباريحهُ أذّن الشيخُ: يا أيها النّاس! .. قد بُعث الآن من حولكم شاعرٌ.. فانفثوا! قال قائلهمْ: وَيْ كأنّ السماء مدثرةٌ بعباءته، هي تستجمع الآن ما قد تهدّل من غيمها.. - في استحياء- لتشهد،، إيحاءهُ! تمثيل للخيانة بين الذات و الآخر ، محاولة لتجديد الذات و تأسيس مرتكزات الألوان ، و البحث عن الاتساق الطبيعي للحركة و الفقدان ، التمسك بأسباب الاستقرار و الاتزان و الارتكاز في مستويات متداخلة : يعصر ، يلوّن ، بالجمر ، الخطايا ، خانه ، جاء يعصر للنّاس تفّاحهُ! لم يشأ أن يلوّن بالجمرِ ماء الخطايا ولكنّ أغلبهم.. خانهُ! فالتعميم الذي أشار إليه الشاعر مرتبط أساس بالنهاية التي شكك في الوصول إليها ، على الرغم مما أصاب الذات من تعب و إرهاق و إنهاك ....يتوقع تجدد الذات ... مرَّ من شرفة الجسد المستلقي .......................... فقُدّت على مرمر النّهد،، قمصانهُ! .............. ظلّ يبحث عن غيمةِ.. ضيّع العمر في إثرها لهفاتٍ .. ولما تبدّت له .. أغرقته كل التوقعات و النهايات بمختلف تصورات الشاعر لم تكن حاسمة و بقيت حبيسة في ذاته ، ما كان شعورا تحول إلى ألم مستمر ، و ما دعوته التي أعلنها في بداية الطرح ، لم تكن إلا عرض للمعاناة و استحضار متشابك دقيق في ملابساته ، انتهى بصورة فسيفسائية جميلة على الرغم مما تحمله من ألم شأنه شأن الشعراء المتورطين في عالم التأمل و الفضول في أشيائه .