يمر اليوم العالمي للشعر في مدينة الجلفة دون أن تدرك أن في المدينة شاعر، وتمر المناسبة المعزولة في واحد واحد وكأن المدينة تزخر بالأجواء الثقافية، فخلال السنة ومنذ وقت طويل وحالة من الركود الثقافي المقصود وغير المقصود تطغى على هذه المدينة التي اعتبرت لدى الوزارة من أهم المدن ثقافيا بمشاركة كتّابها ومؤلفيها ومثقفيها وأكاديمييها في المشاهد الثقافية لمدن أخرى. قالت السيدة إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونيسكو بمناسبة اليوم العالمي للشعر لعام 2013 ""يمثل الشعر أحد أنقى أشكال التعبير عن حرية اللغة، وهو عنصر مكون لهوية الشعوب، كما أنه يجسد الطاقة الإبداعية للثقافة من حيث قدرتها على التجدد المستمر. " المؤسسات الثقافية في المدينة بعيدة عن أي طرح ثقافي فإذا كان الشعر أحد أنقى أشكال التعبير عن حرية اللغة وهو عنصر مكون لهوية الشعوب، فنحن أول تصور لدينا أنه انقرض بغير رجعة، الشعر لم تتفحصه القلوب كما كان العرب يتفرسون خصوصيتهم ومكون هويتهم أيام كان هو "ديوان العرب" والناطق الرسمي باسم الثقافة والتطور الفكري لديهم كصحيفة تتناقلها الأجيال وتحافظ على نفسها الإبداعي مطورة مضمونها وحتى شكلها.. لم يعد الشعر مدخلا مهما من مداخل الهوية وتعبيرا سيدا على المشاعر الإنسانية التي اغتلها التناحر والصراع بين مختلف الأفراد.. قال أحد الشعراء حين تقربنا إليه بسؤال عن مدى مقروئية الشعر "إن الشعر لم يعد متوفرا بالشكل يضغط على القارئ فيجد في كل مكان، كتبه أضحت شحيحة جدا، ولنتساءل كم شاعرا لدينا في مدينة الجلفة، الكثير الكثير، وكم شاعرا تتوفر كتبه في مدينة الجلفة فقط؟ القليل القليل، فكيف نقرأ لبعضنا البعض فقط ونحن لا نجد وسيلة تواصل ولو حتى طباعة ما ينتجه هؤلاء الشعراء، بالإضافة إلى أن الشعر لم يعد من مسؤوليات مديرية الثقافة ولا دار الثقافة ولا المكتبة العمومية جمال الدين بن سعد، لم تعد هذه المؤسسات تهتم بالمثقف إلا مجرد شعارات تلوكها أفواه المسؤولين دون عمل فاعل فيه إخلاص لنية البعث المتجدد للكتاب، كما أنها في مدينة الجلفة بعيدة عن أي طرح ثقافي تكمن فيه حقيقة الفهم الدقيق لرسالة الشعر في بعدها الإنساني" وقال أيضا "كان الكثير من الناس فقراء لكنهم أغنياء بما يكسبون من ثقافة وتصور مهم لضرورات الإبداع داخل المجتمع، كانت لديهم حروب ومشكلات متراكمة لكنهم أنتجوا جمهورا متذوقا للشعر وللكتابات الإنسانية" وفي موقع الأممالمتحدة وخلال حديثهم عن اليوم العالمي للشعر مؤخرا 21 مارس، قال "الشعر يسهم في التنوع الخلاّق، إذ يضع استخدامنا للكلمات والأشياء وأنماط إدراكنا للعالم وفهمنا له موضعَ التساؤل بطريقة متجددة على الدوام. وإن لغة الشعر، من خلال ما تحمله من تداعيات وأساليب مجازية وتراكيب نحوية خاصة بها، تمثل هذه بالتالي وجها ممكنا آخر للحوار بين الثقافات. " وأضاف "ما أن اليوم العالمي للشعر، مع ما يدعو إليه من تنوع في الحوار وتبادل حر للأفكار عن طريق الكملة، وإبداع وابتكار، إنما يشكل ايضا دعوة إلى التأمل في مكامن قوة اللغة وإلى تفتح الملكات الإبداعية لكل فرد." شعراء الجلفة لا يحتفلون .. وأيضا الجمعيات الثقافية قد تكون هذه المناسبة من الأيام التي تعود فيها المصالحة بين أطراف الكتابة من شعراء وقصاصين وروائيين ومسرحيين وغير ذلك، تكون هذه اللقاءات هي لقاءات النخبة في مدينة الجلفة، لكن هناك قطيعة غير مفهومة في هذا الوسط ولذلك سألنا أحد الشعراء من المدينة حول هذا الركود فقال "نحن لا نحتفل بهذا اليوم، ليس لأننا لا نقدره ولكن لأننا لم نتعود عليه، نسينا حتى طعم الأمسيات الشعرية الجميلة التي كانت تجمعنا، وتفككت صحبتنا إلى جماعات كل بما لديهم فرحون، لم نعد نلتف حول الكلمة كما في السابق، وهناك أطراف هي الفاعلة في هذا" أما بالنسبة للمؤسسة الثقافية فقال "المؤسسة الثقافية من المفروض هي التي تستقطب المبدعين وتفتح لهم أبوابها، لكن المبدعين أنفسهم ليسوا راضين عن هذه المؤسسة، وهم في أنفسهم لم يعد فيهم ذلك الشغف بلقاء الآخر والاستماع له، تحولت المؤسسة الثقافية إلى مؤسسة مناسباتية غير مدروسة، وأقصد بذلك مناسبات الوزارة نفسها، لقد مر مهرجان القراءة دون مشاركة قوية للمبدعين، واستلمتها المكتبة العمومية التي أقاطعها شخصيا لظروف ثقافية وإدارية" شاعر آخر قال في الموضوع نفسه "نحن في الجلفة مختلفون لعدة أسباب عرقية وجيولوجية، أنهكنا النظر إلى بعضنا وشتتنا أمنيات النبوغ بعيدا عن فضاءاتنا فلا نأتي للجلفة إلا ونحن محملين بالجوائز حتى يدرك الآخرون أننا متمكنون، لكن الحقيقة أن النجاح يكمن في التواصل، في القدرة على نفي الذات في الآخر، وفي بناء تصور جمعي لهذه المدينة، فكتابتك أصلا هي كتابة للآخر، لا أن تنقل إليه أمراضا في البغض والحسد والنميمة، كما أن الجمعيات الثقافية الكثيرة جدا والمحسوبة على الولاية ليس لها أي دور ثقافي إلا القليل منها والمعدودة على الأصابع" وأضاف "الأسابيع الثقافية وإن كانت عرّفت بشكل واضح تقاليد المنطقة إلا أنها لم تستطع أن توظف الجانب المعنوي الإبداعي للمدينة، وقد استغلت مؤخرا في مجرد رحلات لا أساس ثقافي لها" أما أحد المثقفين الناشطين الذين يهمهم حقيقة الوضع فقال "إن الثقافة تموت في الجزائر لتحيا الكرنفالات، يموت الكاتب في الواقع تهميشا و اقصاء ويحيا في الغرب تمجيدا و تعظيما لما لا نظل نلوم الدولة ونسكت عن الاطارات المسؤولة عن الثقافة التي تنتظر رأس الشهر لتقبض مرتباتها دون عمل، نحتاج إلى إرادة تحرك الوضع الثقافي وإلا صرنا في شخصيات هزلية في ركح العالم يضحك علينا الجميع". سليمان العيسى يحتفل بهذه المناسبة في رسالة بعثتها زوجة الشاعر السوري سليمان العيسى إلى "وكالة أنباء الشعر" تؤكد فيها أن الشاعر لا يمكن أن يهمل أي مناسبة يُدعى لها في يوم كهذا اليوم قالت "بعد أن توقف عن الكلام ولم يعد يستطع أن يملي علي، صرت أرى في عيونه الكثير من حاجته إلى الشعر والكتابة لكن الوهن والمرض أرغماه على هذا، ولا نقول سوى شكرا لكل من اتصل وزاره واطمأن عليه، وأنا بدوري أقدم شكري وتقديري لكم مرة ثانية عن الشاعر كونه لا يستطيع الكلام بهذه البادرة الطيبة من وكالتكم". ما يزال سليمان العيسى وهو القامة الكبيرة في رحاب المشهد الشعري العربي يستمر في عطائه رغم مرضه، وما زالت بعض المؤسسات التي تشعر بحقائق هذا البعد الإنساني تستجلب إليها كل ما له قيمة في محاولة لتطوير قرائها ومتابعيها وتنمية قدرات أبنائها وطلابها في إدراك العوالم الإنسانية من خلال أبعادها التكوينية التي يحتاجها الإنسان.