لم يعد بإمكانه أن يجانب حقيقة ما يحدث معه كل ليلة..ظل يتساءل طويلا: - حلم..رؤيا..وحي؟ ليلة أولى، ثانية ثم ثالثة.. رعشة جارفة تسحق أنفاسه كلّما دنت منه وشوشة الأصوات الصارخة العابرة للشقوق المرسومة على جدران بيته الطيني، وتزداد الرعشة عنفوانا كلّما شعر بأيد خشنة ممسوخة تخرج من نفس الجدران لتهز جسمه هزّا عنيفا: - دُقَّ أثداءها بمسمار قديم قدم سكونها في هذا الكون.. وظل في كل مرة يستفيق مرعوبا ليصب الماء البارد على وجهه في ارتعاش..ثم يمسك لحيته السّوداء مستغفرا، لاعنا الشّيطان وجنده.. لم يشأ أن يخبر صاحبته وبنيه، فلربما هي هلوسة عابرة..قانعا بأنها ليال أخرى من هذا العمر الرث، وستمضي كغيرها إلى سبيل حالها وسيعود كسابق العهد.. نام ليلة أخرى..الحلم..الرؤيا..الوحي..الأصوات الصارخة..الأيدي الخشنة صارخة: - دُقّ أثداءها بمسمار قديم قدم سكونها في هذا الكون.. في الصباح ردّدها في قرارة نفسه: - نعم هي رؤية صادقة.. كانت هناك..وكان هنا..صعد إليها دون أن يراه أحد حتى هي خانتها اللحظة.. كانت مبتسمة وكان غاضبا، كانت أثداؤها عارية وكان يرتدي قميصا أبيضا، كان شعرها أبيضا وكانت لحيته سوداء دُقَّ.. دقّ.. دُقَّ.. فيما بقيت آهات الناس من حولهما ملعونة في بوتقة الزمن الغابر.. - نعم الأثداء دقّت..ودقّ معها سكون هذا الكون.. في حديث عابر قيل أن الشيطان كان مارا بجانبها..أعجبته العروس البيضاء..راودها عن نفسها أصرّت على الرفض..ظل يحاول ويحاول سنوات وسنوات..ثم عصفت في باله فكرة..وكانت الفكرة وكان المسمار.. وسقطت العروس قتيلة وسمع صوتا للشيطان يناجي ربه: - يا رب غفرانك الجريمة يقوم بها بني البشر..وأتحمّل ذنبها أنا؟