تحتوي كنوز التراث الإسلامي على الأخبار والطرائف، والقصص المسلّية ذات الطابع الفكاهي التي دارت على ألسنة الخلفاء أو دارت في مجالسهم، وهذه الطرائف مفعمة بروح النقد الاجتماعي والإنساني على وجه العموم. لا يسمح هذا الحيز بالحديث عن هذه الطرائف الفكاهية، ولكن من المفيد تقديم النماذج التالية: 1 قدم على أبي بكر زعماء العرب وملوك اليمن، فلما شاهدوا ما عليه من الزهد والتواضع، وما يتميز به من الوقار والهيبة ذهبوا مذهبه ونزعوا ما عليهم من التيجان والحلي الذهبية. وكان من الوافدين ملك حمير ومعه 1000 من العبيد، إضافة إلى أبناء عشيرته، وعليه التاج والحلي الموشاة بالذهب، فلما رأى هيئة أبا بكر ألقى ما عليه، وقد شاهده الناس في سوق المدينة وعلى كتفه جلد شاة، شعر أهل عشيرته بالخجل وقالوا له: لقد فضحتنا بين المهاجرين والأنصار، فقال لهم: لقد كنت في الجاهلية ملكا جبّارا، هل تريدون منّي أن أكون ملكا جبّارا في الإسلام؟ واللّه لن تكون طاعة اللّه إلا في الزهد والتواضع للّه في هذه الدنيا. 2 كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يتفقّد أحوال الرعية في المدينة ليلا، فرأى امرأة من الأنصار تحمل قربة، فسألها عن شأنها، فقالت له: إن لها عيالا وليس لها خادم، وتخرج في الليل وتكره أن تخرج في النهار. حمل أمير المؤمنين القربة عنها حتى بلغ منزلها، ثم قال لها: إتصلي بأمير المؤمنين يعيّن لك خادما، قالت: لا أصل إليه، قال لها: ستجدينه إن شاء اللّه في الصباح. ذهبت إلى عمر بن الخطاب، وعندما رأته أدركت أنه هو الشخص الذي حمل عنها القربة، فشعرت بالخجل ورجعت إلى بيتها، فأرسل في اثرها وأمر لها بخادم ونفقة. 3 انفرد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليتفقّد أحوال الرعية ويعرف أخبارهم، فمرّ على خيمة عجوز وسألها عن رأيها في أمير المؤمنين، فقالت: لا جزاه اللّه عنّي خيرا، فقال لها: ولماذا؟ قالت: منذ أن تولّى الخلافة لم أحصل على دينار ولا درهم، فقال لها: وما يدري عمر بحالك؟ قالت: سبحان اللّه ما ظننت أن أحدا يتولّى أمور المؤمنين ولا يعرف أحوالهم، فبكى عمر بن الخطاب وقال: كل واحد أفقه منك يا عمر، ثم قال لها: يا أمة اللّه بكم تبيعيني الظلم الذي وقع عليك من أمير المؤمنين، فإني أرحمه من النار، فلم يزل يسترضيها حتى اشترى الظلم ب 25 دينارا. أقبل علي بن أبي طالب وابن مسعود وقالا: السلام عليك يا أمير المؤمنين. وضعت العجوز يدها في رأسها وقالت: يا حسرتاه شتمت أمير المؤمنين في وجهه. محمد وادفل