هي تجربة إنسانية عاشتها صاحبتها في ظلام دامس رغم أنها تجاوزت العقد العشرين بسنتين فقط، أم عازبة لطفل دخل سنته الدراسية الأولى هذه السنة، وبعملية حسابية بسيطة نجد أنها أنجبته وهي لم تتجاوز السادسة عشر من العمر، تعيش مع والدتها وإخوتها في مكان واحد مفارقة عجيبة لمجتمع اقتنع تماما بدماره، ربما القارئ لهذه السطور سيطلق عليها أقسى الأوصاف والأحكام، ولكن أؤكد لكم أنها بريئة براءة الذئب من دم سيدنا يوسف. بطلة قصتنا اليوم فتاة حكم عليها المجتمع بالنفي خارج دائرة الأعضاء المحترمين لأنها أم عازبة، لكنه في نفس الوقت لم يحاكم من كان السبب في أمومتها وهي لن تتجاوز سنّ السادسة عشر، إخوتها الذين كانوا السبب الرئيسي والوالدان حولوها إلى فريسة سهلة لكل ذئب بشري يبحث عن إشباع نزواته ورغباته الحيوانية، والغريب أن الجميع وقف يطالب بقتلها وذبحها عند اكتشاف الأمر، رغم أن السكين يجب أن تمر على رقابهم قبلها لأنهم من سلموها لمغتصبها على طبق من ذهب. وحتى نعرف التفاصيل يجب أن نبدأ من إخوتها الثلاث الذين أفقدتهم المخدرات عقولهم ورشدهم، فكانوا يسهرون في البيت مع صديقهم لشرب الخمر وتعاطي المخدرات رغم وجود بنات قصر داخل المنزل واللواتي كان من المفروض عرضهم وشرفهم، و الغريب في الأمر أن صديقهم كان محل ثقة الوالدين الذين كانوا يستودعوا ابنتهم أمانة عنده في فترة غيابهم المتكرّر. وبالفعل لم يتطلب الأمر منه سوى قرص مخدر في عصير ليصل إلى ما يريده دون مقاومة أو إدراك من الفتاة التي كانت تعتبره سندا لكل العائلة، عندما اكتشف حمل الفتاة حمل إخوتها السكاكين وطالبوا بذبحها لغسل شرفهم من عار الحمل خارج الإطار الشرعي للعلاقة بين الرجل والمرأة ولكنهم تناسوا أنهم من أفقدوها شرفها عندما استعبدوا أجسامهم للمخدرات التي جعلتهم يضعون ثقتهم في غير محلها، فكيف لهم أن يحاكموها وهم جلادوها والسبب الأول فيما حدث لها، و لولا تدخل السلطات المعنية لكانت دفنت تحت التراب في قضية «شرف»، ولكنها رغم بقائها على قيد الحياة إلا أنها ما زالت الحية الميتة التي وضعت في خانة الرفض واللعن الاجتماعي وأصبحت وحيدة فمجرد النظر إليها بشفقة جريمة في حقّ المجتمع الذي لا يرحم أمثالها وإن كانوا ضحية أسوأ المنتمين له، لتبدأ رحلة الأم العازية والابن اللقيط. ربما يظن البعض أنني أعطي تبريرا لوضع غير مقبول من كل الزوايا الاجتماعية أو أنني أعطي الضوء الأخضر لعلاقات لا يقبلها الشرع أو العرف، فنحن هكذا عندما نضع أيدينا على الجرح نبدأ في خلط المفاهيم والتلاعب بالكلمات،لأننا كمجتمع لا نملك الشجاعة للاعتراف بأخطائنا تجاه الآخر، وغالبا ما نكون ضد الأضعف ولو كان مظلوما.