يعيشون على هامش المجتمع، يعانون في صمت رغم الألم والمأساة، فهم وان ملكوا بطاقة تعريف وطنية هم معرفون اجتماعيا والسبب ان عضويتهم في المجتمع اصبحت غير مجدية وأينما حلوا او نزلوا يشار اليهم انهم هؤلاء الذين يسري في عروقهم دم ملوث بعار مرض فقدان المناعة المكتسبة، وحتى نعي اننا لم نملك من انسايتنا سوى حروف نكتبها للتباهي، علينا ان نتعرف على معاناة هؤلاء ...في هذا الاستطلاع الميداني ل''الشعب'' ''الصمت سلاحي لأبقى في المجتمع'' اشترطت قبل البدء في الحديث معها ان نتكتّم على اسمها حتى لا يتعرف عليها احد، لذلك لن اعطيها اسما بل سنتحدث عن سيدة مصابة بالايدز منذ سنة 2003، أين بدأت رحلة جديدة من عمرها لأن المحرك الأول لأحداث حياتها، الخوف من اكتشاف المجتمع مرضها. تقول السيدة (س)، إنها أصيبت بالمرض نتيجة علاقة غير شرعية ربطتها بأحدهم ولن تعلم بمصابها إلا بعد زيارات متعددة بسبب وهن كانت تعانيه، ورغم الزيارات المتكررة للأطباء، إلا أنها لم تعلم بالمرض إلا بعد فحصها من طرف طبيب جلد مختص الذي اكتشف الداء ووجهها إلى مستشفى القطار لتلقي العلاج. لم تستطع السيدة هضم كلمة ''مصابة بالإيدز''، ما جعلها ترفض تناول الأدوية أو تلقي أي جلسات علاج ما ادخلها في غيبوبة، والغريب أن السيدة (س) أكدت أن معاناتها النفسية أكثر منها صحية، ولكن انعكاساتها مست جميع جسدها لذلك وبعد إدخالها مستشفى القطار واستعادتها لعافيتها واظبت على تناول الدواء بصفة يومية. استعادة عافيتها النفسية مكنها من النظر إلى الحياة من زاوية مختلفة، وأصبحت تملك في أعماق نفسها أملا كبيرا رغم أن المرض الذي سكن أعماقها خبيث لا علاج له، وحتى يعلم القارئ مدى تغيرها، نقول له إن السيدة (؟) تزوجت من شخص مصاب كذلك بالمرض. عاشت مع زوجها حياة طبيعية كانت نتيجتها ابنة غير مصابة بالايدز لأن العلاج الذي يقدم للنساء الحوامل يمنع إصابة الجنين إن آخذته المرأة الحامل في الوقت المناسب، هذه الفتاة اعطت السيدة حلما لحياتها التي زادتها وفاة زوجها عنها ألما ولكن البنت الصغيرة استطاعت إعطاء الأم الدواء الذي تعجز اكبر المخابر عن صنعه وتقول انها اصحبت تتذكر انها مريضة عندما تأتي إلى المستشفى فقط. سألتها عن العائلة ان كانت تعلم بمرضها فقالت ان امها واخوتها هم الوحيدون الذين يعلمون بالأمر اما والدها وزوجات اخوتها فيجهلونه، وقد ألزمها اخوتها بالصمت لأنهم يخافون عليها من نبذ المجتمع ان هو علم بمرضها فهو لا يرحم ولا ينسى أي صغيرة حدثت في ماضيك، فإن هي اخطأت وتابت إلى ربها فإن المجتمع لن يغفر لها خطأها وان بكت دما، لأن الايدز في مجتمعنا لعنة وليس بمرض. هذه النظرة السلبية حسب السيدة (س) تؤدي بالكثير من المرضى إلى الانحراف والادمان بسبب رفض المحيط لهم لذلك على المريض الا ييأس ويجب عليه ان يضع أمله باللّه تعالى ولا احد سواه وان يقتنع في اعماق نفسه انه مريض كباقي المرضى الآخرين، عليه فقط ان يتناول دواءه بصفة دورية وان يتبع توصيات الاطباء وان يبعد عنه اي خوف غير مبرر، اما ابنتها قالت السيدة (س) انها لن تخبرها بإصابتها بالإيدز الا باستعدادها لسماع الحقيقة كاملة وما عدا ذلك لن تستطيع اخبارها. لقيط، طريد، فمنحرف مصاب بالإيدز في 16 سنة؟؟ لن اعطي هذا الشاب الذي يبلغ من العمر 35 سنة اي رمز لأنه بحد ذاته رمز للأنانية البشرية التي تحطم ذاتها بيدها، فأول مآسيه انه ولد بلا اب او ام فكان اول وصف يعطيه اياه المجتمع ''لقيط'' ولكن شاء القدر ان تتبناه احدى العائلات وتعطيه اسمها ليكبر في كنف اب وام ولكن شاء القدر ان ينكشف كل شيء وهو في سن الحادية عشر ليسلب اللقب الذي منحته اياه العائلة الكفيلة والسبب موت الوالدين وخوف الورثة من اقتسام الإرث مع ولد غريب عن العائلة بل هو عار على المجتمع كله وان كان غير مذنب. المهم ان الأمر لم يتوقف عند هذا لأن الورثة طردوه خارجا ليجد نفسه بين عشية وضحاها وحيدا بلا عائلة ولا اسم ولا منزل ولا حتى ورقة تثبت وجوده ولأنه مرهق لن يرحمه المجتمع انحرف عن جادة الصواب واصبح من رواد السجون ومدمن مخدرات وسلوك غير أخلاقي، الأمر الذي ادى به في سن السادسة عشر إلى ال''ايدز'' واصبح شخصا متعايشا مع المرض. مصيبة اخرى تقع على رأسه الذي لم يعد بمقدوره تحمل كل تلك المصائب التي تتوالى عليه ولم يكن بإمكان الاطباء او النفسانيين اقناعه بالمرض او بالعلاج لأنه محطم نفسيا لم يستطع تجاوز السلبية التي سكنت داخله، فلا عائلة تسانده ولا مسكن يأويه وضعف جعله اسير الانحراف والإدمان وغير مؤهل لتناول الدواء ولا يملك اي استعداد لذلك، لأنه اضعف من مواجهة المجتمع بمرضه رغم ان هذا المجتمع بالذات كان اول من مهد له الطريق بالأشواك ليصل إلى مرض فقدان المناعة المكتسبة، حقيقة هو كارثة انسانية لمجتمع لم يعِ بعد اخطائه.