نظم المنتدى الأكاديمي للدراسات التاريخية بجامعة الوادي بحر الأسبوع الماضي ندوة تاريخية حول السينما الثورية بين الإبداع الفني والتوثيق التاريخي، نشطها كل من البروفيسور علي غنابزية رئيس المنتدى، والبروفيسور رضوان شافو، والدكتور عثمان زقب، والمخرج السينمائي نصر محبوب وسط حضور جمع غفير من الأساتذة والطلبة. تمحورت هذه الندوة التاريخية التي تم تنظيمها في إطار الإعلان عن افتتاح النشاطات العلمية للمنتدى للموسم الجامعي 2018/2019 حول عدة محاور تطرقت إلى بدايات السينما التاريخية في الجزائر ودورها في تدويل القضية الوطنية، كما تم التعريج على مسيرة السينما الثورية بالجزائر منذ الاستقلال إلى يومنا هذا من خلال عرض روبورتاج تلفزيوني. وركز البروفيسور رضوان شافو وفي مداخلته التي حملت عنوان «قراءة تاريخية لبعض المشاهد من فيلم العربي بن مهيدي»، على دور السينما في تدويل القضية الوطنية في مختلف المحافل الدولية، والتي اعتبرها رافدا أساسيا لوسائل الكفاح العسكري ضد الاستعمار الفرنسي، مُعرجا على استعانة قيادة جبهة التحرير الوطني بصديق الثورة المخرج (رونيه فونته)، والذي عمل على تشكيل أول خلية تقنية لإنتاج الأفلام الوثائقية حول معارك ثورة التحرير بمنطقة الأوراس، ثم عمل بعدها على تكوين مجموعة من الجزائريين في تقنيات السينما وكيفية إعداد الأفلام الوثائقية في عهد الحكومة المؤقتة الجزائرية، وانتقل بعدها للحديث عن تطور السينما الثورية بعد الاستقلال ودورها في الحفاظ على الهوية والذاكرة التاريخية للشعب الجزائري، وخاصة خلال فترة الستينات والسبعينات والثمانيات التي تعتبر العصر الذهبي للإنتاج السينمائي الثوري أمثال فيلم (معركة الجزائر، دورية نحو الشرق، العصا والأفيون، وقائع سنين الجمر..) إلى غاية نهاية القرن العشرين، أين شهدت السينما الثورية انفتاحا كبيرا على بعض الطابوهات التاريخية التي كان يمنع الكلام عنها، لتنتقل الأفلام الثورية من بطولة الشعب الجزائري، إلى بطولة الأشخاص، عن طريق عرض السيَّر الذاتية لرموز الثورة التحريرية على غرار فيلم مصطفى بن بولعيد، وفيلم كريم بلقاسم، وفيلم أحمد زبانة. ليختتم البروفيسور رضوان شافو محاضراته بقراءة تاريخية نقدية لبعض مشاهد فيلم العربي بن مهيدي من خلال غياب العلاقة بين المخرج الذي أبدع فنيا في تصوير الفيلم والمؤرخ الذي أهمل دوره في تتبع مشاهد تصوير الفيلم، ما نتج عنه في الأخير منع الفيلم من العرض كما ذكر، وتبعا لهذه القراءة النقدية، ونظرا لأهمية السينما الثورية في ترسيخ القيم والمبادئ الوطنية والذاكرة التاريخية للشعب الجزائر دعا البروفيسور إلى ضرورة استحداث مقاييس بيداغوجية لطلبة التاريخ تعنى بالأفلام الوثائقية والسينما الثورية، بالإضافة إلى ضرورة خلق الشراكة الثنائية بين المنتج السينمائي والمؤرخين لإنتاج الأفلام الثورية تجنبا للوقوع في مغالطات تاريخية. من جهته الدكتور عثمان زقب اهتم من خلال مداخلته حول «الأفلام السينمائية والكتابة التاريخية»، بالبدايات الأولى للأعمال السينمائية التاريخية في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية، أواخر القرن التاسع عشر، بعد ذلك تطرق إلى كيفية استخدام السلطة الفرنسية للأفلام السينمائية كوسيلة للدعاية الاستعمارية ضد المقاومة الجزائرية، كما أشار إلى إشكالية استخدام الأفلام الوثائقية والسينمائية في عملية التوثيق التاريخي، حيث أكد في قوله بأنه لا يمكن اعتماد الأفلام الثورية السينمائية كمصدر للكتابة التاريخية لكونها تخضع لنزوات المنتج الفني مما سيؤدي بها إلى تزوير الحقائق التاريخية، في حين اعتبر أن الأفلام الوثائقية التاريخية يمكن أن تكون مصدرا للكتابة التاريخية لكونها تتناول بين مشاهدها شهادات حية لصناع الثورة والمقاومة الجزائرية، زيادة على تناولها لوثائق أرشيفية تعرض كنسخ مصورة في الفيلم. وفي مداخلة للأستاذ المخرج نصر محبوب، الذي قدم عرضا حول تجربته في إنتاج الأفلام الوثائقية التاريخية، وذلك من خلال عرضه لفيلم وثائقي حول السيرة النضالية للمجاهد الطيب خراز، والذي نال به عدة جوائز وطنية وعربية في الكثير من المحافل السينمائية، أبرز الأستاذ نصر محبوب في سياق حديثه أهم الصعوبات والعراقيل التي تعترض المخرج في إنتاجه للأفلام الوثائقية والسينمائية. وقد مثلت هذه الندوة فرصة لفتح نقاش عميق حول مضمون مختلف مداخلات الأساتذة الباحثين بين الأساتذة والطلبة الذين أبدوا اهتماما كبيرا بهذا الموضوع وشغفا واضحا للتعرف على المزيد فيه، مشيدين بحسن الاختيار في معالجة مثل هذه المواضيع التي تعتبر قليلة في حقل الدراسات التاريخية.