عقد فرع العاصمة للاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين الاثنين الماضي ندوة علمية بكلية الاقتصاد بالخروبة في موضوع «خريجو الجامعة وسوق الشغل» نشطها خبراء في الاختصاص وحضرها جمهور من الطلبة والأساتذة ورجال الاعلام . وقال المتدخلون في الندوة بأن المنهجية المتبعة بالجزائر في رصد سوق الشغل غير سليمة لأنها تعتمد طرقا تقليدية وقديمة و تعاني نقائص كثيرة ولا تساير الطرق القياسية الجديدة في هذا المجال ، رأي علمي مؤسس يضع علامة استفهام كبيرة حول السياسة الوطنية للتشغيل المبنية على نتائج عمل الديوان الوطني للاحصاء وهو الجهة الوحيدة في الجزائر التي تقع على عاتقها مهمة توفير المعلومة الاحصائية للدولة. وتزامن عقد الندوة المذكورة مع اجتماع مجلس الوزراء الذي صدر بيانه في نفس توقيت انعقاد الندوة ليؤكد توجيهات رئيس الجمهورية حول الاصلاحات المزمع تنفيذها في الجزائر والتي وردت ضمن خطاب فخامته الأخير حيث ذكر «المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي» في أكثر من مناسبة واحدة كطرف رئيس في العملية الاقتصادية المرافقة للاصلاحات . فكيف نبني سياسات اقتصادية متينة في جانب التشغيل على معطيات ناقصة أو خاطئة ؟ وما المطلوب عمله حتى نوفر للدولة معلومات في الاحصاء الاقتصادي تكون أكثر تعبيرا عن واقع سوق العمل في الجزائر؟ نحو تحرير شامل لسوق المعلومة الاقتصادية قالت الندوة بأن في كندا لا تعتمد القطاعات الوزارية على مديريات للاحصاء كما هو الحال في الجزائر بل على مركز وطني للاحصاء يتمتع باستقلالية كاملة ويوفر كافة البيانات المطلوبة عن الاقتصاد والمجتمع . وفي الجزائر يحتكر «الديوان الوطني للاحصاء» وهو هيئة ذات طابع عمومي مهمة التحقيق الاقتصادي والاجتماعي وفق منهجية لم يتم تحيينها لحد الساعة في حين تقدمت الدراسات الأكاديمية في هذا المجال بسرعة دون أن تتمكن البلاد من الاستفادة من ذلك كله في اطار مؤسسات إحصائية خاصة تملك روح التنافسية . وفي غياب مثل هذه المؤسسات تصبح المعلومة الاحصائية مثل السلعة في السوق الاحتكارية لا تراهن على الجودة بل ترهن قرارات الحكومة في معطيات غير قابلة للاختبار ، والأخطر من ذلك أن القطاعات الحكومية التي تعتمد على الديوان الوطني للاحصاء في عمل مديرياتها هي الممون الرئيس لتقارير المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي «الكناس» والتي يفترض أن تكون المرجع الاستشاري للدولة . وتسعى الوزارة المنتدبة للاحصاء لاطلاق عملية واسعة للاحصاء الاقتصادي تقول ندوة الخروبة بأن لا داعي اليها مادامت المعلومة التي تبحث عنها الوزارة متوفرة لدى هيئات وطنية أخرى إلا إذا تم التأكد من عدم صحة تلك المعلومات ، وفي هذه الحالة يصبح واقع سوق الشغل بالجزائر مغايرا تماما للصورة التي تقدمها الحكومة عنه . الاقتصاد الجديد وقالت ندوة الخروبة بأن الاقتصاد الجديد يتكأ على 3 أعمدة هي : الدولة ، المؤسسة ونظام المعرفة ، وأن الوظائف الجديدة تخضع لشروط : النمو ، الطلب الداخلي و نوعية العمل ، حيث من الصعب تصور سياسة ناجعة للتشغيل في حدود للنمو الكلي تقل عن 6 بالمائة إلا إذا كان تشغيلا ذي طابع اجتماعي . ولا يمكن أن نتصور قطاعا خاصا ممتصا لعرض العمل في اقتصاد ضعيف الطلب الداخلي تحت قيد الدخل المتاح إلا إذا كانت القطاع الحكومي هو العون الاقتصادي المستهلك الأول . وفي حالة الجزائر فإن النمو الكلي لايزال هشا مادام أنه يجاور عتبة 3,5 بالمائة على الرغم من تطمينات البنك العالمي الشيء الذي يفسر ظاهرة البطالة بنقص الطلب على العمل وليس بارتفاع العرض ، ولايزال الطلب الداخلي محدودا بالمستوى غير الفعال للأجور لدى الطبقة المرشحة للاستهلاك الواسع ، الشيء الذي يدفع للتفكير في اتجاه تكثيف استثمارات الدولة في القطاع الاقتصادي المنتج للثروة ولو بامتلاك نسيج أكثر اتساعا للمؤسسات المتوسطة و إعادة الاعتبار للقطاع الخاص كي يلعب دورا أكبر في عملية النمو بتطبيق نموذج ''استثمار صفر عوائق'' . وفي جانب الطلب الداخلي قالت الندوة أن على الحكومة إعادة توزيع الدخل في اتجاه رفع المداخيل المتاحة للشريحة السكانية متوسطة ومنخفضة الدخل بشكل أقوى حتى تلتقي مع تفضيلات المستثمرين . وعن جاهزية الاقتصاد الوطني لسد عجز التشغيل الذي يبلغ 280 ألف طلب سنوي إضافة الى المخزون الحالي من العاطلين عن العمل والمقدر ب 1,7 مليون نسمة ، تقول الندوة بأن 60 بالمائة من تركيبة عرض العمل في الجزائر من ذوي الشهادات أي أنها تركيبة نوعية وبالتالي لا يمكن للورشات المفتوحة حاليا استيعابها إلا على أساس رسكلة الاقتصاد الوطني نحو التصنيع أو تحديث القطاع الفلاحي أو ترقية مناخ الاستثمار لجذب الشركات الأجنبية عالية التكنولوجيا . وفي هذا الاطار أوصت ندوة الخروبة بإطلاق الأقطاب الصناعية الكبرى على سلم الانتاج لأجل التصدير في فروع الصناعات المختلفة أي فروع : البيتروكيمياء، الميكانيكا، المعلومات، والصناعات الغذائية. عن الفساد مرة أخرى تدخل الجمهور في ندوة الخروبة وقال بأن 80 بالمائة من الاعتمادات المالية الموجهة لتشغيل الشباب وفق الآليات التي وضعتها الحكومة أخطأت مرماها وأن أموالا عامة أهدرت دون مقابل من الانتاج أوالتشغيل وهذا حقا صحيح لأن مبدأ الاستثمار الناجع وثيق الصلة بالادارة الاقتصادية ونوعية الحكم . وعندما تتميز الدولة بإدارة اقتصادية متعبة أو بحوكمة ناقصة فإن الانفاق العمومي يتحول الى ساحة للفساد وسوء التسيير وعدم التحكم في الانفاق وهو ما أثير في أكثر من مناسبة وكلما سنحت الفرصة لمناقشة آليات الدولة الداعمة لسوق الشغل . وتعاني الجزائر فضلا عن ضعف المعلومة الاحصائية من احتكار الاستثمار من طرف جماعات ذات نفوذ ترى في القطاع الخاص منافسا يهدد مصالحها وفي راحة السكان مساسا بمستقبلها ، وهذا إن صح مؤشر آخر عما يهدد استقرار الدولة في المدى المتوسط من أخطار عندما تتراجع صادرات الجزائر من المحروقات أو تتجاوز المصاعب الاجتماعية حدودها القصوى . لقد أوصت ندوة الخروبة حول خريجي الجامعة والتشغيل باعتماد مقاربة مختلفة لجمع المعلومة الاقتصادية بتطبيق المناهج الجديدة في تقدير النماذج واختبارها ، كما أوصت بإطلاق وزارة للاقتصاد تتحمل مسؤولية رسم رؤية جديدة للاقتصاد الوطنية مبنية على حقائق الأسواق واتجاهات المستقبل ، فهل يجري التفكير في ذلك والجزائر تدشن حاليا لمرحلة أخرى من تاريخها قال عنها رئيس الجمهورية أنها مرحلة جديدة عنوانها الاصلاحات العميقة؟