وقعت 26 دولة افريقية الأحد الماضي بجوهانسبورج مذكرة طريق لإقامة منطقة افريقية للتبادل الحر تضم اليها دول شرق افريقيا من القاهرة وحتى جوهانسبورج. وكانت الفكرة أطلقت في كامبالا العام 2008 أي بعد إطلاق مشروع «النيباد» الهادف الى الشراكة الجديدة لتنمية افريقيا العام 2001، ولكنها تأتي في سياق الاندماج الافريقي في عديد الاقتصاديات العالمية الكبرى حيث شهدت أديس أبابا شهر ماي المنصرم عقد القمة الافريقية الهندية، وقبلها القمة الافريقية الصينية، وقبلها القمة الأوربية الافريقية في شهر ديسمبر 2010. ووصف اجتماع جوهانسبورج بالمهم بسبب نوعية المشاركين حيث نجد دولتين مرشحتين من قبل خبراء البنك العالمي للنشوء هما مصر وجنوب افريقيا، إضافة الى البعد السكاني الذي يعني 700 مليون نسمة تساهم ب 785 مليار دولار كناتج داخلي خام، والبعد التجاري في الخارطتين الأمريكية والأوربية حيث تعول واشنطن على نفط افريقيا بنسبة تصل الى 20 بالمائة من حاجاتها العام 2015، وعلى الألماس والذهب الافريقي لتمويل شركاتها الكبرى. بينما تعول أوروبا على سوق شرق افريقيا التي تضم دولا مستهلكة مهمة مثل اثيوبيا ومدغشقر ومصر. فهل تعني الخطوة الافريقية الجديدة تحررا من القيد الخارجي الذي ما يزال يستنزف خيرات القارة السمراء؟ وما هي حدود نجاح تلك الخطوة في إقامة تكتل «افروافريقي» عن طريق التجارة الحرة؟ التجارة أول طريق الاندماج بدأ الاتحاد الأوروبي خطواته الأولى على سلم التجارة عن طريق مناطق التجارة الحرة ولكنه استغرق 40 سنة كي يطلق العملة الأوروبية الموحدة اليورو مرورا بمنهجية التكتل التي تعني السوق المشتركة، الاتحاد الجمركي، وحدة السياسات النقدية والمالية. وقبل أن تحقق أوروبا وحدتها الاقتصادية كان عليها أن ترفع مستوى تبادلها التجاري البيني الى سقف 60 بالمائة من اجمالي تجارتها الخارجية. وعندما تتعامل افريقيا مع شريك اقليمي مثل أوروبا على سلم التجارة دون أن تحقق الحد الأدنى من اندماج السوق الداخلية فإنها تغرق - فعلا - في مشكلة اسمها «غياب الأرضية السوية» أي غياب الحد الأدنى من التقارب في معايير التجارة المتكافئة، ويبدو ذلك واضحا من خلال مؤشر التبادل التجاري البيني الافريقي الذي يقف عند عتبة 10 بالمائة. سيكون على مجموعة ال 26 الافريقية رفع هذا التحدي أولا أي تطوير التبادل الدخلي في جوانب: التجارة، حركة الرساميل، حركة الأشخاص، وهو ما لم تفهمه مجموعة «النيباد» وهي تؤسس لشراكة اقليمية مع أوروبا ، وهو - أيضا - ما تستهدفه مبادرة كامبالا التي تشهد حاليا تطورا ملموسا. الأسواق المقيدة رافعت «النيباد» من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية في افريقيا مبنية على نسبة نمو 7 بالمائة، وبعد 10 سنوات من انطلاق المبادرة لا يزال النمو في افريقيا يراوح في المتوسط 5 بالمائة. وإن كان الرقم الأخيرا يعتبر متقدما مقارنة بأرقام الدول الصناعية التي تشهد تراجعا في النمو تحت ضغط تراجع الطلب الداخلي، إلا أن مكونات الاقتصاد الافريقي تتصف بالهشاشة لاعتمادها على أسواق ريعية بامتياز مثل الطاقة، الكاكاو، الألماس والذهب وبقية المعادن، لا يعني النمو المتقدم بالضرورة رفاهية للسكان إلا في ضوء توزيع الثروة والتصنيع والاكتفاء الذاتي والتصدير والتنمية البشرية والنمو المستديم. وتعاني القارة أيضا من نهب واسع النطاق تديره شركات أمريكية واسرائيلية، وبالعودة لتاريخ الوقائع السياسية والاجتماعية في القارة السمراء خلال القرن الماضي، نجد أن جزءا مهما من تلك الوقائع كان من صنع الدول الأجنبية الكبرى وجزءا مهما آخر كان من صنع الشركات الرأسمالية التابعة لتلك الدول، وحديثا فقط أي منذ عشر سنوات ليس أكثر، بدأ الحديث عن لاعبين كبار جدد دخلوا الساحة الإفريقية من باب الشراكة الاقتصادية تتقدمهم الشركات الصينية والهندية ثم التركية. حينها بدأ الحديث عن الانسان الافريقي الجديد الذي عليه أن يرفع معدل ربطه بالانترنت فوق المستوى الحالي الذي هو 2,5 بالمائة، وعليه أن يتخلص من نفقات التسلح التي حولت قارته الى سوق عالمية للسلاح، وعليه أن يحسن وضعية الطلب الكلي لديه حتى يسمح بانسياب التجارة. الأفرو إفريقية ظلت إفريقيا ساحة خصبة للصراعات اللغوية في الجانب الثقافي وساحة أخرى للنزاع القائم على الموالاة للمستعمر في الجانب السياسي وساحة ثالثة للحروب حول الثروة في الجانب الاقتصادي. ويمكننا تلمس ذلك بوضوح من خلال نماذج محددة مثل الحرب العرقية على أساس اللغة بين القبائل في إفريقيا الوسطى والنزاع الذي ساد جنوب إفريقيا بين المؤتمر الوطني الإفريقي والحكومة الموالية لبريطانيا وأخيرا ما يجري حاليا في نيجيريا من صراع حول أنابيب النفط، إضافة الى بؤر الصراع في القرن الإفريقي وفي مدغشقر والصومال ومنطقة أبيي الغنية بالنفط في السودان، وفي منطقة الصحراء المتنازع عليها غرب شمال إفريقيا. وجميعها صراعات ظل فيها المستعمر الغربي محددا رئيسا حتى بعد استقلال الشعوب الإفريقية بدءا من منتصف القرن الماضي. ويبدو من خلال مبادرة ال 26 التي عقدت اجتماعها الثاني في جوهانسبورج بدءا من السبت المنصرم أن وعيا جديدا بدأ يتشكل على سلم «الأفروافريقية» أي التعاون الافريقي الافريقي بدءا من التجارة وصولا الى الاندماج الاقتصادي. وعي تحيط به أفكار منافسة مثل «الأوروافريقية» أو المناطق الحرة بين أمريكا ودول افريقية محددة أو التجمعات الاقتصادية الضيقة على سلم التعداد السكاني، ولكن صعود وجوه سياسية جديدة على المشهدين المصري والجنوب افريقي تتمتع بشعبية ثورية يوفر آفاقا واعدة لمبادرات أكثر نجاعة في الداخل الافريقي. فهل تكون مبادرة منطقة التبادل الحر الافريقية الجديدة أول خطوات الاتحاد الافريقي المنتظر؟