ترجمنا 50 عملا بإمكاناتنا الخاصة وهي سابقة وطنيا في هذا الحوار، يحدّثنا الأستاذ رابح خدوسي، الكاتب وصاحب دار «الحضارة» للنشر، عن رؤيته لموضوع الترجمة، كما يشير إلى تجربته الخاصة في هذا المجال، خصوصا وقد عمل على ترجمة قرابة 50 عنوانا إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وهو نتاج استثمار خاص لم يعتمد فيه على دعم أو تمويل. ويولي خدوسي الأهمية البالغة لكتاب الطفل، وهو ما يؤكد عليه مرة أخرى في هذه السانحة. «الشعب»: للترجمة أهميتها في مجال الإبداع الأدبي.. كيف تنظر إلى هذه الأهمية؟ وما موقع الترجمة في بلادنا؟ رابح خدوسي: الترجمة وسيلة وأداة للتعرف على الآخر، وهي نافذة للإطلالة على العالم والفكر العالمي، وهي كذلك محطة للتفاعل وتبادل الآراء لإنتاج المعرفة لإبداع ثان، لعرض أفكار.. هي جسر التواصل بين الشعوب مختلفة اللغات، هي أخذ وعطاء. وتساهم الترجمة في الحفاظ على السلم العالمي وتدخل في إطار تنمية الأداء الفكري والمردود الحضاري للشعوب، ومن هنا تبدو أهمية الترجمة كعامل أساسي وضروري للتفاعل والانسجام في إطار السياقات العامة للشعوب، لا يمكن لأي بلد أن يبقى معزولا عن الآخر وإلا فقد يكون قد خرج من قطار الحضارة. أما بالنسبة للترجمة في الجزائر فيؤسفني أن أقول إنها تكاد تكون شبه منعدمة، سواء على المستوى الرسمي أو الفردي، باستثناء بعض المبادرات وباستثناء الترجمة من وإلى اللغة الفرنسية، لأن الفرنسية تعتبر من «سكان البيت» وبالتالي مهما قلنا إنها لغة أجنبية، ولكن يبقى الفكر الفرنكوفوني محدود الآفاق والأبعاد ومن هنا لا نعتبر أن الترجمة من وإلى الفرنسية تضيف جديدا إلى الذوق أو إلى الفكر والإبداع. أعتقد أن العزوف عن تشجيع الترجمة في الجزائر هو ناتج إما عن تخلّف كبير في ذهنية المسؤول، أو كمرمى سياسي نابع من التفكير الأحادي.. في هذا الوقت أصبح العالم قرية وبالنظر للتطور التكنولوجي والمعرفي والزخم الفكري كان من المفروض أن نهيئ له جانبا للترجمة وتصبح الجزائر بحكم موقعها الجيوستراتيجي مفتاح العالم ولسانه.. ولكن مع الأسف، فإن التقوقع الحالي في الترجمة كانت له آثار سلبية في السياحة وتسويق التراث الجزائري. يتبادر إلى الذهن، حين الحديث عن الترجمة، أن الأمر يتعلّق فقط بالترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية.. ماذا عن ترجمة الإبداع الجزائري إلى لغات العالم؟ أرى أن الإبداع الجزائري رهين المحبسيْن العربية والفرنسية، ولم يستطع تجاوزهما إلى اللغات الأخرى في غياب منهجية ورؤية واضحة للترجمة، دون نسيان الإنتاج بالأمازيغية، لذلك فإنه مهما كانت جودة الإنتاج الجزائري وروعته، فإن العالم الآخر لم يسمع به إلا قليلا. باستثناء بعض الكتاب الذين كان لهم حظّ النشر خارج الجزائر وترجمت بعض أعمالهم إلى اللغات العالمية، لذلك يبدو لي أن الترجمة الحقيقية هي التي تنبع من بلد الإنتاج الأدبي نفسه، أو تكون هناك تشجيع الاتفاقيات لترجمة الأدب الجزائري إلى اللغات العالمية المتعدّدة.. هناك الكثير من الاتفاقيات الثقافية مع بعض الدول ولكنها لا تفعّل. نطالب ونتحدّث دائما في هذا الباب وهناك محاولات وإشارات من بعض المسؤولين ولكن لحد الآن لم يؤسس مركز جزائري للترجمة وحتى المعهد العالي للترجمة هو هيكل فقط لم نر ثماره منذ تنصيبه قبل 15 سنة أو أكثر. في هذا السياق، خضت بنفسك تجربة ترجمة عديد الأعمال إلى لغات أجنبية دون انتظار دعم من أي جهة رسمية.. هلا حدثتنا عن هذه التجربة؟ أمام هذه المتغيرات الكثيرة في واقعنا المعيش والافتراضي على مستوى العالم، وظاهرة النشر الرقمي والزخم الكبير رأيت من الضروري أن لا أبقى سجين لغة وحيدة في إنتاجي، وقد تكون هذه المبادرة فريدة في الجزائر إذ لم يحصل أن قامت هيئة أو شخص بترجمة 50 عملا إلى اللغات الأجنبية (الفرنسية والإنجليزية) دون الاعتماد على أي جهة أو تمويل معين. ورغم أن الكثير من الكتب تتميز بالصبغة الوطنية وأعني بها الكتب التراثية وموسوعة العلماء والأدباء الجزائريين، وموسوعة الأمثال الشعبية والحكايات الجزائرية، إضافة إلى عدد كبير من قصص الأطفال والقصص القصيرة والروايات الموجهة للكبار. هي مغامرة لذيذة لتجاوز الواقع وتحدي المحيط الذي يفرض عوائق على تنقل الكتاب إلى الخارج، ومع ظاهرة النشر الرقمي استطعنا تسويق أعمالنا على المنصات الإلكترونية في جميع أنحاء العالم. وكان بفضل تعاون أمهر المترجمين في الجزائر وأخص بالذكر الكاتب الأديب محمد سحابة بالنسبة للترجمة إلى الفرنسية، وإلى الإنجليزية المترجم القدير بلقاسم مغزوشن، وأسهمنا بالتعاون معهما في إنجاز هذه الأعمال وأغلبها نشر ورقيا أو رقميا، ونحمد الله على هذه النعمة التي خصّنا بها حتى نكون قد قدمنا إلى الأجيال الصاعدة ما تحتاجه في مجال المطالعة باللغات الأجنبية، سيما وأن رفوف المكتبات تكاد تخلو من ترجمة الإنتاج الأدبي الجزائري خاصة بالإنجليزية وهذا ما يحتاجه طلبة الإنجليزية وهم بحاجة ماسة للإنتاج الوطني المترجم لهذه اللغة. وأعبر عن سعادتي بأن كنت المبادر إلى هذه العملية ولو من جيبي الخاص، دون الاعتماد على أي جهة من الجهات التي لم تكلّف نفسها حتى التنويه بهذا المشروع الطموح المثمر الذي كان عمليا وليس أقوالا فقط، ولكن نحن سائرون إن شاء الله حتى نحقّق الغاية، ويكفينا أننا ترجمنا أعمالا مهمة لتبقى في متناول القارئ الجزائري والأجنبي وهذا يعتبر نوعا من النضال الثقافي للحفاظ على الشخصية الوطنية باعتبار الأدب أحد عناصرها، وكذلك ليبقى شاهدا على الإنجازات وتسويق الأدب الجزائري أصبح أكثر من ضرورة. الأعمال التي ترجمتها مؤخرا هي موجهة للطفل.. هل يتطلّب هذا الصنف عملا ورعاية مختلفين؟ الكتابة للطفل هي كتابة للمستقبل وبناء الوعي وتشكيل شخصية الطفل منذ الصغر، الكتابة للطفل لها أهمية كبرى لأن ثقافة الطفل تعتبر من الاستراتيجيات الهامة التي ترصد لها الميزانيات. الكتابة للطفل تتطلّب عناية خاصة لما ينبغي أن يكون عليه الإنتاج من مشوقات ومثيرات، خاصة أمام الغزو التكنولوجي والهواتف النقالة ووسائط التواصل، وهو ما يفرض على الكتاب أن يكون ذا مستوى عال شكلا ومضمونا حتى يقبل عليه الطفل. من هنا يأتي دور الترجمة كوسيلة أخرى لتعدّد الوسائط من جهة حتى نوفّر للطفل الإنتاج الثقافي الذي يبحث عنه ومن جهة أخرى لنحميه من انحرافات في كتب تأتي أحيانا تحت عنوان قصص عالمية وهي لا تخلو من أخطاء وانحرافات فكرية وحضارية والإنتاج الوطني المترجم يستطيع أن يكون مادة غذائية آمنة للطفل يقرؤها دون خوف. في رأيك ما الذي يجب القيام به للنهوض بالترجمة وجعلها قطاعا منتجا مربحا على شتى الأصعدة؟ أرى أن مجال الترجمة يعتمد أولا على خطة ورؤية استشرافية مستقبلية تعي أهمية هذا الموضوع، ووسيلة لإنعاش مجال النشر، لأن كثرة المطبوعات والمنشورات في الجزائر لا تعني بالضرورة أن الحركة الأدبية بخير، فالمجال التنافسي الذي تحدثه الترجمة على المستوى الداخلي والخارجي والمردود الربحي يستطيع أن يعطي نفسا قويا لمشروع الترجمة كما أنه يستطيع أن يعطي دفعا قويا للإبداع الأدبي المتميز، لأن خريطة الوطن العربي مهما شاركت فيها الجزائر وحصلت على جوائز فهناك عالم أكبر منسي ومخفي علينا في القارات الخمس ينبغي الانتباه إليه، وتوصيل الكتاب الجزائري مترجما إلى الإنجليزية والصينية واليابانية والإسبانية وغيرها، كل هذه اللغات يمكن أن تؤثر على مستوى الإنتاج الجزائري إيجابا وحتى على الجانب الفكري والثقافي للجماهير.