تتواصل الأزمة الليبية على مختلف الجبهات السياسية والعسكرية والاعلامية ولا أحد قادر على معرفة متى ستحسم الأمور أو كيف ستنتهي، غير أنه ومن خلال الزيارة التي قادتنا الى ليبيا اطلعنا على الكثير من الحقائق والأمور وأهمها هيمنة الاعلام على الأزمة وتفوقه على الجانب العسكري ليتأكد أن المخططات الغربية أخذت بعين الاعتبار هشاشة الاعلام العربي وعدم تكيفه مع التحولات التكنولوجية لتبدأ الحرب بهجوم اعلامي لم يسبق له مثيل تمهيدا للحملة العسكرية وفضلت «الشعب» أن تكون خاتمة نشاطها بطرابلس بمنح الكلمة لليبيين للحديث عن الأزمة والدروس المستخلصة والنصائح التي يقدمونها للعرب والمسلمين حتى يتفادوا ما وقع لهم. عبر الليبيون ل «الشعب» أثناء تواجدها في طرابلس عن غضبهم وتأثرهم من السكوت العربي والاسلامي بل واعتبروا ذلك تواطؤا مع الغرب والحلف الأطلسي لتدمير ليبيا والسعي لتقسيمها تجسيدا لمخططات الصهاينة والمتعصبين من الدول الغربية. وكشف عماد شاب في الثلاثينيات من العمر سائق التقيناه في طريق الجلاء على الواجهة البحرية في طرابلس عن استغرابه من السكوت العربي وسعي العديد من الدول لتحطيم ليبيا وشعبها دون أسباب مقنعة وعليه فالضرر الذي لحقنا من الاخوان أعمق من غارات وجرائم الناتو الذي يعتبر عدونا ظاهرا ومنذ زمن بعيد. بينما أن ينقلب علينا أشقاء ومن منبر جامعة الدول العربية او المؤتمر الاسلامي فهذا غير معقول وغير مبرر. وأشار الطالب الجامعي أشرف (30 سنة) يدرس في السنة الرابعة طب الى الواقع المزري الذي وصل اليه العرب مشيرا الى المؤامرة الكبيرة التي تعرضت لها البلاد، وحتى من بعض الدول القريبة منا والتي كان مواطنوها يعيشون ويسترزقون من ليبيا لقد سمعت أن أكثر من 1,5 مليون عائلة عربية من خارج ليبيا تضررت اقتصاديا واجتماعيا من جراء مغادرة العمالة العربية والأجنبية فمن يعيل هؤلاء حاليا ومن يلتفت إليهم. ويتوجه الليبيون في كل مرة يلتقون فيها مختلف وسائل الاعلام الأجنبية التي تغطي الأزمة من طرابلس الى العالم برسائل يتحدثون فيها عن تمسكهم ببلادهم، وعن رغبتهم في ابلاغ الصورة الحقيقية للأزمة الليبية، وعاتبت سيدة في سوق أبو سليم الكائن بجنوب طرابلس قناة «سكاي نيوز» عن سر عدم نقلهم لحقائق الحرب والتعتيم على التقارير الاخبارية. خفايا الحرب الإعلامية وتشتيت الرأي العام أجمع الاعلاميون من وسائل الاعلام العالمية الذين يغطون الأزمة الليبية على الضغط الكبير الذي يتعرضون إليه من مؤسساتهم فقد امضى الصحفيون تعهدات بعدم التصريح حول طرق التغطية والتقارير المنجزة حفاظا على سر الحرب الاعلامية والتستر عن الأهداف التي جاء من أجلها الصحفيون إلى ليبيا. والغريب في هذه الحرب الاعلامية هو عدم بث الكثير من المواضيع التي تغطيها كبرى وسائل الإعلام الأجنبية، حيث يذهبون في الخرجات الاعلامية التي يسهر عليها مكتب الاعلام الخارجي الليبي وينجزون التقارير والروبورتاجات والحوارات ولكنها لا تبث في قنواتهم، وهو ما استفز الرأي العام الليبي الذي بات يشكك في هوية هؤلاء الصحفيين المدربين تدريبا دقيقا على توجيه المعلومات والحقائق ويختارون الأخبار ومواعيد بثها بطريقة توحي بأن الغرب يركز كثيرا على الحرب الاعلامية وتشتيت الرأي العام العالمي حتى لا يركز على جرائم الناتو في ليبيا التي فاقت 7 آلآف بين قتيل وجريح ناهيك عن تدمير العديد من المنشآت. والعائد إلى بداية الأزمة يكتشف الاعتماد على مصطلحات وألفاظ معينة لبناء رأي عالمي ضد النظام الليبي من خلال التهويل لما يسمى استعمال طائرات لقصف المدنيين بالاضافة إلى الصاق كلمة كتائب القذافي بالجيش الليبي للترويج بأن هناك انتهاكات وجرائم ترتكبها هذه الكتائب وهو عكس ما اطلعنا عليه في الميدان فالجيش الليبي مهيكل ونظامي ويبسط سيطرته على كل المناطق التي زرناها كما يسير جبهات القتال بحكمة كبيرة والدليل هو صموده طيلة هذه المدة وفوق ذلك تحدى الناتو وتمكن من كسب الكثير من المواقع التي خاضها ضد ما يسمى المجلس الوطني الانتقالي أو «المتمردون». ومن خفايا حرب الدعاية وشراستها والأساليب القذرة التي تتبعها هو تضخيم المتمردين والحديث عن السيطرة على مناطق في لحظات وهو ما يتعارض مع المنطق وأكد الكثير من الليبيين عن سخريتهم من الاعلام الغربي الذي يتحدث عن سقوط المدن فأين هي الصور التي تعكس سيطرة المتمردين. لماذا لا ينجزون روبورتوجات عن المدن التي سيطر عليها هؤلاء. وتهدف وسائل الإعلام الأجنبية في مختلف قنواتها على إبراز أفراد مسلحين فوق سيارات رباعية الدفع ويسقطونها على تقارير تفيد بسقوط المدن في يد المعارضة، وهذا للتأثير على معنويات الليبيين وجرهم للايمان بقوة المعارضة وهو الأمر الذي أسقطته حادثة اغتيال زعيمها العسكري عبد الفتاح يونس وتحالف المجلس مع القاعدة والغرب لينقلب كل شيء على المتمردين الذين يتعرضون لضغط اعلامي غربي تمهيدا لدحرهم من قبل الغرب الذي يتأكد من ولائهم لتنظيم القاعدة. ومن الزوايا التي استغلها الإعلام الأجنبي هو إبراز صور اللاجئين من الحرب وتضخيم جوانبها مثلما اطلعنا عليه في الجنوب التونسي بمنطقة شوشة غير أن معظم الليبيين الذين يتمتعون بمستوى معيشي راق غادروا المخيمات وعادوا الى ديارهم، رافضين العيش تحت خيم الذل والمهانة واستغلالهم في حلقات إعلامية تزيد من عمق الأزمة الليبية فالمخيمات التي لم يتبق منها الا البعض عكس فشل اخراج الليبيين من ديارهم. وتلقت البعثات الاعلامية الغربية المتواجدة في طرابلس توجيهات بعدم نقل ضحايا جرائم الناتو والمشاهد الفظيعة التي اطلعنا عليها في ليبيا خاصة تعرض مستشفى الحروق والتجميل للقصف وهو الذي لا يضم أية آليات عسكرية. ولم تغفل الحرب الإعلامية الدائرة في ليبيا بعض الصفحات القذرة فقد ظهر أن الترويج لامكانية إجراء حوار وترك المجال للمساعي السلمية هي نفاق، الغرض منه تقليل الضغط على الدول الغربية المشاركة في العدوان، حيث عمدت إلى إرسال تصريحات ومواقف لينة تجاه ليبيا من خلال الحديث عن امكانية بقاء القذافي في الحكم وعدم مغادرته ليبيا وعن اتصالات بين المتمردين والنظام الليبي وكل هذا لتوجيه الرأي العام والتستر على الجرائم ضد الانسانية وما فضح هذا السيناريو هو ردود فعل المتمردين المتصلبة والمتطرفة والتي تشير الى توجيهات يكونوا قد تلقوها من الغرب بالرد السلبي عن كل محاولات الحوار لأن الفضيحة والمؤامرة ستنكشف. ويسعى الغرب من خلال قصف مباني الإذاعة والتلفزيون ومحطة الارسال عبر الأقمار الصناعية إلى عزل ليبيا عن العالم الخارجي، حيث نجح الإعلام الليبي الذي يعتمد على قادة الرأي في تبليغ الرسائل الاعلامية وهو ما حافظ على وحدة الرأي العام في مختلف المناطق التي يسيطر عليها النظام وحقق منشطو مختلف الحصص من «عشم وطنك» ليوسف شاكير وحمزة التهامي وهالة المصراتي شعبية كبيرة في ليبيا من خلال طريقة تنشيطهم وتناولهم لمواضيع مباشرة تهتم بالشأن الليبي.
نصائح الليبيين سألنا الكثير من الليبيين عن الدروس المستخلصة من هذه الحرب وحول ما اذا كانت ستؤثر سلبا على مستقبل ليبيا فلمسنا أن المعنويات مرتفعة وأن الليبيين تفوقوا في الحرب وسيتفوقون مهما كانت التضحيات. نصح الليبيون بضرورة الاعتماد على اليد العاملة المحلية لضمان الاستقرار الاجتماعي والاستعداد للأزمات لأن مغادرة 3 ملايين يد عاملة أجنبية في ظرف قياسي كشف عدم وجود يد عاملة محلية تسد الفراغ، ويرى الليبيون أن ضرورة بناء اقتصاد خارج النفط أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاكتفاء الذاتي ومنه تعزيز قوة الدولة والتقليل من التبعية للخارج وتفادي الوقوع في أيادي سماسرة الحرب. كما نبه الليبيون إلى أهمية تنقية العلاقات مع الدول وعدم الوقوع في ود البعض الذي يخفي وراءه الكثير من الحقد والحسد وهو حال ليبيا حيث تظاهرت العديد من الدول على غرار ايطاليا التي قام رئيس وزرائها سلفيو برلسكوني بزيارة ليبيا وطلب الاعتذار من جرائم ايطاليا أثناء احتلالها وتبين أن كل ذلك نفاقا لتحضير الانتقام من ليبيا.
طرابلس .. تتعرض لسياسة الأرض المحروقة تعتبر مدينة طرابلس مدينة جميلة جدا، حيث تجمع بين انواع عمرانية كثيرة منها ما ينتمي الى حقبة الاحتلال الايطالي وهي المباني القريبة من الواجهة البحرية حيث تنتشر الكثير من البناءات الضخمة وللجزائر نصيب في قلب العاصمة طرابلس حيث هناك شارع باكمله يسمى ميدان الجزائر والذي يحتضن أحد اكبر مساجد العاصمة والذي كان عبارة عن كنيسة، وتضم العاصمة طرابلس الكثير من الشوارع الراقية التي تحتضن البنوك والمصارف والمحلات وتعرف حركة ونشاطا كثيفين وتحمل الشوارع هناك أسماء العواصم العالمية التي لها علاقات طيبة وتاريخية مع ليبيا على غرار كراتشي وبغداد، ومن الجهة الشرقية لميدان الجزائر تجد نفسك أمام الساحة الخضراء التي تعتبر من أشهر الساحات في ليبيا وهي مرتبطة بكبرى الاحتفالات الخاصة بعيد الفاتح وما يزيد في جمال الساحة هي تلك الأسوار القديمة التي تضم مداخل حارات وأسواق شعبية. ونجد من الجهة الشمالية المطلة على البحر الأبيض المتوسط طريق الجلاء الذي يوازي الكورنيش المطل على الواجهة البحرية ويضم الكثير من الفنادق الفخمة على غرار فندق المهاري كما نجد أبراج الفاتح وأبو ليلة التي تعتبر مشاريع لمراكز الأعمال، ويلفت انتباهك في سوق الشط سوق السمك الذي يعتبر قمة في التنظيم واحترام المقاييس العالمية وحتى الأسعار مضبوطة وتتماشى مع المستوى المعيشي لليبيين. وتضم العاصمة الليبية طرابلس مدينة قديمة على شاكلة القصبة في الجزائر ويطلق عليها الحارات وأبلغنا مرشدنا عماد بان المغاربة سكنوها قديما بالنظر لأسعار الإيجار المنخفضة. وتضم طرابلس العديد من الأحياء التي بنيت حديثا على غرار حي أبو سليم وحي الأكواخ ومنطقة الغابة الخضراء وجنزور. وتتعرض حاليا مدينة السلام الى قصف الناتو الذي لم يترك أي منطقة الا وقصفها فحتى ميناء طرابلس الذي شيد بطريقة هندسية جميلة لم يسلم وطال القصف المستشفيات والأحياء السكنية وحتى الآثار كانت هدفا لطائرات الناتو. وتحصلت «الشعب» على صور فظيعة لأطفال ورجال وحتى قافلة من خيرة حفظة كتاب الله ذهبوا ضحية لإحدى الغارات. إصرار على الصمود في وجه العدوان
يعتبر باب العزيزية قلعة شديدة التحصين على مساحة ستة كيلومترات مربعة في موقع إستراتيجي جنوبي طرابلس قريبة من جميع المصالح الرسمية في العاصمة وبجوار الطريق السريع المؤدي إلى مطار طرابلس وتعتبر قاعدة باب العزيزية أشد المواقع الليبية تحصينا على الإطلاق، فهي محاطة بثلاثة أسوار إسمنتية مضادة للقذائف، إضافة إلى ضمها لتشكيلات عسكرية وأمنية بالاضافة الى مجمعات سكنية وحظيرة للأطفال والعديد من المرافق المنجزة بشكل متناسق ومنسجم. وكان قد تعرض بيت القذافي في باب العزيزية لهجوم أميركي في أفريل 1986 في عهد الرئيس رونالد ريغن ردا على اتهام ليبيا بالتورط في تفجير ملهى ليلي بالعاصمة الألمانية برلين، وهو التفجير الذي أدى إلى مقتل وإصابة عسكريين أميركيين. ورغم إجلاء أسرة القذافي قبيل الهجوم بقليل فإن القنابل التي ألقتها الطائرات الأميركية أدت إلى مقتل ابنة القذافي بالتبني وإصابة اثنين من أبنائه. وقد أمر القذافي بالإبقاء على آثار الهجوم على الجدران إلى اليوم حتى تكون شاهدا على الغارة. وتعرض باب العزيزية في العدوان الحالي الى العديد من عمليات القصف حيث تحمل الجدران حاليا الكثير من الأضرار خاصة في بداية العدوان. وتتجمع الكثير من الجاليات الافريقية بمن فيهم الجزائريين في مساحة مقابلة لباب العزيزية تعبيرا عن تضامنهم مع الشعب الليبي وقيادته، ويتجمع هؤلاء منذ بداية العدوان في خيم تحمل الكثير من الرايات والأعلام والشعارات. وغادرنا ليبيا وهي تصر على صمودها أمام المؤامرة والعدوان الذي تتعرض له وهي كلها ثقة على النصر والانتصار..