كثيرا ما وجهت انتقادات من الداخل والخارج للنظام المصرفي بسبب استمرار تعقد الإجراءات البيروقراطية في المعاملات المالية، على الرغم من الكم الهائل من الإصلاحات التي أدخلت عليه قبل عقدين من الزمن، ولم تكن كافية للتخلص من الإرث الثقيل الذي ساهم إلى حد كبير في إعطاء صورة غير واضحة للدور الذي ينبغي أن يلعبه القطاع في مسار الإصلاحات عموما. أبسط المعاملات المصرفية التي لم تعد تشكل أي مشكل في العديد من الدول الأقل تطورا من الجزائر لم تخرج بعد من دائرة البيروقراطية، وتلفها تعقيدات كثيرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بفتح حساب مصرفي بالعملة الصعبة لمقيم أو غير مقيم، ليس بالضرورة أن يكون رجل أعمال أو تاجر، وإنما مجرد مواطن بسيط، فضل الانصياع لأوامر القوانين السارية المفعول في حركة رؤوس الأموال من وإلى الجزائر والتقيد بالتعليمات المنصوص عليها في قانون الصرف. قبل أيام من تدفق المهاجرين الجزائريين في اتجاه الوطن كثفت المديرية العامة للجمارك من اشهاراتها بخصوص عملية التصريح بالعملة الصعبة والأشياء الأخرى ذات القيمة، من أجل ضمان مراقبة حركة الصرف بعد أن تبين أن دخول العملة الصعبة بطريقة غير قانونية ساهم إلى حد كبير في تغذية السوق السوداء، حيث يفضل المهاجرون اللجوء إلى الأسواق الموازية المعروفة لبيع العملة الأجنبية، عوض استبدالها في البنوك الوطنية نظرا للفارق الهام بين سعر الصرف الرسمي وغير الرسمي. وفي هذا الصدد تؤكد مصالح الجمارك على أن التصريح بالعملة الصعبة عند الدخول إجراء إجباري، على الجميع التقيد به، وإلا فإن صاحبها قد يتعرض إلى عقوبات وفق ما تنص عليه النصوص القانونية. ومن جهة أخرى فإن الجمارك تعتبر أن وثيقة التصريح للتبليغ عن المبالغ المصدرة، تعتبر ضرورية وعلى المعنيين تقديم شهادة سحب العملة في حدود ما يسمح به القانون، مما يعني أن الحائزين على مبالغ بالعملة الصعبة والراغبين في السفر يجبرون على فتح حسابات بالعملة الصعبة التي تمكنهم من الحيازة على شهادة السحب. هذا الإجراء وإن كان ضرويا من أجل مراقبة حركة الصرف من وإلى الجزائر، إلا أنه يمثل تعقيدات ومشاكل إضافية للراغبين في فتح حسابات بالعملة الصعبة، في ظل استمرار المعاملات البيروقراطية في الكثير من البنوك الوطنية، التي وبالإضافة إلى ما يترتب عنه من استخراج الوثائق الضرورية لتكوين الملف الخاص بهذه العملية المصرفية، فإن بعض البنوك لجأت خلال هذه الفترة بالذات إلى تجميد العملية أي فتح حسابات بالعملة الصعبة لمدة معينة، وهي المدة التي تعرف حركة تنقل واسعة من وإلى الجزائر، ولا سيما في الشهر الفضيل الذي يعرف بدوره توافدا كبيرا للمعتمرين نحو البقاع المقدسة لأداء مناسك العمرة. التحضير لعملية تدفق المسافرين من وإلى الجزائر كان من المفروض أن يصحبها تخطيط شامل لما يمكن أن تتطلبه هذه العملية، عوض التركيز على الإشهار وأن تتحمل كل جهة مسؤولياتها في ضمان فرض تطبيق القوانين واللوائح من خلال تسهيل كل الإجراءات المتعلقة بحركة رؤوس الأموال، فلا يعقل أن تصر إدارة الجمارك على احترام القوانين وتجنب المخالفات، في الوقت الذي لا يزال فيه الجهاز المصرفي غير قادر على مواجهة أبسط المعاملات المالية في الوقت المناسب والأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الملحة للمسافرين.