تزخر مدينة الأغواط بتنوع ثقافي أصيل، يمتد عبقه عبر الحقبات التاريخية التي سمحت من خلالها بتواصل سيرورة الحركية الإبداعية لدى أبنائها، مما ساعد على إبراز هذا التنوع الذي ساهم بدوره في إبراز وإظهار بعض الفنون إلى الوجود على غرار فن الترميل بالمنطقة، الذي استلم مشعله الشباب ليسيروا به نحو مزيد من التطوير والإبداع، ومن هذا المنطلق أبت جريدة ''الشعب''، إلاّ أن تلتقي أحد هؤلاء الشباب، مُحاولة إضفاء مزيد من الضوء على هذا الفن وأهم معالمه مع الفنان الشاب ''حمادو محمد'' من خلال هذا الحوار. ̄ بداية، يوّد القارئ لهذا الحوار أن يتعرف من خلالك على معالم هذا الفن، ما هو هذا الفن، متى ظهر، ومن قبل من؟ ̄ ̄ فن الترميل أو الرسم بالرمل هو فن ينتمي إلى الفنون التشكيلية، وتعد مدينة الأغواط مهداً لهذا الفن في الجزائر وفي العالم على السواء. فقد كان ظهور هذا الفن بمدينة الأغواط منذ أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي (1979 1980) على يد السيد ''الطاهر جديد'' الذي يعتبر الأب الروحي لهذا الفن، ثم انتشر هذا الأخير إلى بعض الفنانين أمثال السادة ''قلوزة، بن خليفة، العمري، العيدي الطيب'' لينتقل بعد ذلك إلى جيل الشباب لإتمام المسيرة. ̄ فن الرسم بالترميل رؤية وحدث، متى بدأت تشعر بهاجسه، وكيف ترسم لنا بداياتك ؟ ̄ ̄ كانت بداياتي الأولى مع ''الكتاتيب''، حيث كنت شغوفا جدا بالخط العربي أثناء حفظي للقرآن الكريم، كما أن دراستي لحصة التربية الفنية في مرحلتي التعليم المتوسط والثانوي ساهمتا في إبراز مهارتي على الرسم، ومع بداية سنة 2000 بدأت أخوض في هذا الفن، كما كان لتكويني بمعهد إطارات الشباب والرياضة بالعاصمة أثر كبير في صقل هذه الموهبة، ولا أنسى هنا فضل الزميل العيدي الطيب في هذا الجانب. ̄ من خلال ما ذكرته، هل يمكن القول أنك أنت من اختار هذا الفن أم هو الذي اختارك؟ ̄ ̄ بصراحة أنا من الذي قام باختيار هذا الفن منذ الصغر، ولا أشك أنه هو من الذي اختارني. ̄ بحكم مجاراتك لهذا الفن، ماهي كوامنه، الأبعاد، العمق، المدى؟ ̄ ̄ عندما ترسم اللوحة، ومن ثم تقوم بإضافة المواد الرملية والألوان لتعطيها الصبغة الجمالية، فهذا يأخذك لتغوص أكثر في كوامن هذا الابداع، فهذا الفن يميل للواقع والحقيقة بالدرجة الأولى. ̄ هل ترى أن هناك ارتباطا بين اختصاصك العلمي وفن الرسم بالترميل؟ ̄ ̄أكيد، فتخصصي في مجال الفنون التشكيلية بالمعهد الوطني لتكوين إطارات الشباب والرياضة سمح لي بصقل هذه الموهبة، خاصة في فترة عمرية شكلت في نظري منعرجا حاسما في حياتي المهنية والفنية على الخصوص. ̄ يقال دائما أن الذات الإبداعية عند الفنان تمحورها المدرسة التي ينتمي إليها هذا الأخير، كيف ترى ذلك؟ ̄ ̄ أنا ليس لدي انتماء محدد لأي مدرسة فنية، كما أني أميل في جل أعمالي إلى المدرسة الواقعية. ̄ عند إنجازك لأعمالك، هل تسبقها مرحلة تخطيط، أم هناك حالة انفعالية تدفعك إلى الإبداع؟ ̄ ̄ أعتمد على التخطيط في غالب الأحيان في أعمالي، كما أنه قلّ ما تنتابني الحالة الاندفاعية في ذلك. ̄ بالرجوع إلى اللوحة التي تمثل الانجاز والتتويج، هل لنا أن نعرف ما إذا كان لأحد مكونات اللوحة (موضوع، شكل، مادة، لون) أولوية على الآخر، أم أن هناك طريقة ما يُتعامل بها مع هذه المكونات؟ ̄ ̄ جل أعمالي تحتاج بالدرجة الأولى إلى تكامل تام، وليس هناك أولوية لعنصر عن الآخر، فاللوحة هي ذلك الجسد الواحد التي تعكسه تلك الصورة الجمالية. ̄ هل لك أن تعكس لنا صورة الانطباع الذي تخلفه فيك هذه الأخيرة؟ ̄ ̄ لا أستطيع أن أصور الانطباع الذي تخلفه اللوحة في شخصي، والدليل على ذلك عدم شعوري بمرور الوقت وكأن الزمن يتوقف في انتظار إتمام هذه اللوحة أو تلك. ̄ هل لنا أن نعرف مقدار ما تحتله اللوحة من مكانة عند الفنان ''حمادو''؟ ̄ ̄ اللوحة تعني لي الكثير، خاصة عندما أُتم انجازها، فهي تمتاز بذوق خاص لا يستطيع تذوقه إلاّ الفنان. ̄ هل لفن الرسم بالترميل علاقة مع بقية الفنون الأخرى، كالأدب، السينما، المسرح، الشعر، وهل هذه العلاقة متنافرة أم متداخلة، أم ماذا؟ ̄ ̄ أكيد، فالعلاقة بين فن الترميل وبقية الفنون الأخرى، أراها أنها أشبه بالسفينة المبحرة التي تبحث لها عن مرفئ ترسو به، فهي علاقة تكاملية، فالفنان ملزم بالاستلهام والأخذ من هذه الفنون لتجسيده في الواقع. ̄ بصفتك أحد أبرز الرواد الشباب في هذا الفن، هل نقول أن هذا الأخير لقي ذيوعا وصيتًا في الجزائر؟ ̄ ̄ بالفعل لقد ذاع صيت هذا الفن وانتشر بالجزائر، كما أني من خلال المعارض التي قمت بها تبين أن هذا الأخير أصبح أكثر طلبًا وإقبالاً من طرف الجماهير عن غيره من اللوحات الفنية الأخرى. ̄ في تقييمك لهذا الفن، ما الذي أضافه هذا الأخير للفن التشكيلي الجزائري عموما؟ ̄ ̄ هذا الفن في أصله مستوحًا من الطبيعة الصحراوية، فمواده الأولية تعكس ذلك، وبالتالي فقد أضاف هذا الفن الكثير، كما أنه لم يقتصر على طابع معين فحسب، فهو لم يترك مجال إلاَّ ودخله كالبوتريهات، المناظر الطبيعية، العمران... ̄ في رأيك، أين يتوجه هذا الفن اليوم؟ ̄ ̄ أنا جد متفائل لما سيصل إليه هذا الفن في بلادنا اليوم، لأن هناك جيل من الشباب استطاعوا أن يحملوا المشعل ليذهبوا به إلى أبعد الحدود. ̄ يذكر دائما أن لكل فنان مُلهم، ترى بمن تأثر الفنان ''حمادو'' من بين الفنانين العالميين؟ ̄ ̄ تأثرت بثلة من الفنانين الذين كان لهم بالغ الأثر على مساري الفني، كان من أبرزهم: الفنانة السورية ''الشمة''، الفنان الفرنسي ''إتيان دينيي''، والإيراني ''إيمان مالكي''، والأمريكي ''جيمس وارن''. ̄ يشار دائما أن الجمهور هو صاحب الكلمة الأخيرة، ترى هل وجدت جمهورا يشجعك على الاستمرار، وهل يفهم الجمهور ما هو موجود على لواحاتك؟ ̄ ̄ بالفعل هناك جمهور شجعني على المواصلة، خاصة عندما يجد لوحة تعجبه، فهو تشجيع معنوي بالدرجة الأولى، أما عن فهم الجمهور لما هو في اللوحة، فجلهم يفهمونها لبساطتها وارتباطها بالواقع. ̄ هل تطمح اليوم بمكان خاص تعرض فيه لوحاتك؟ ̄ ̄ هذا حلم لم يتسن له التحقق بعد، فلا أخفي عنكم، كم يراودني هذا الحلم لكي أقوم بعرض أعمالي لجمهوري. ̄ الجزائر هي ''الأم، المأوى، الأمان، المقام، العطاء''، ترى هل استطاع الفنان ''حمادو'' أن يجسدها في أعماله، وإذا لم يستطع فلما ذلك؟ ̄ ̄ كثيرا ما راودتني فكرة تجسيد الجزائر في أعمالي، لكني لم أفعل ذلك لأني لم أستطع أن أحصرها أو أختصرها في عمل فريد أو لوحة واحدة، فهي تكبر عن ذلك بكثير. ̄ حاوره: عطاء الله طريف