التقينا في المرحلة الثانوية، السنة الأخيرة بالنسبة لي، والأولى بالنسبة لها، فأعجبت بها وبادلتني هي نفس الإعجاب لكني لم أنتبه لها لأني كنت كثير التنقل بين الفتيات، فعيناي دائمة الزيغان، وقلبي الغض حساس جدّاً.. ففي النهار أكون كثير التنقل بين الطالبات الجميلات، وفي الليل دائم التنقل بين الروايات الرومانسية التي كانت تغص بها مكتبة والدي.. وفي أحد أيام نهاية الشتاء أصبت بنزلة برد فتغيبت عن الدراسة أربعة أيام.. وبعد أن عدت الى الثانوية أخبرني زملائي متطفلّين بأن سهام هي الوحيدة التي سألت عني، وبقلق! فصار لها منذ تلك اللحظة مكانة مميزة في قلبي الصغير، ويمكن أن أجزّم بأن عيناي توقفت عن الميلان الى كل فتاة وثبتّت عليها.. وصرنا زميلين عاشقين، عشق بريء فكنا نخجل بأن نقف مع بعضنا، ونخاف أن يرانا الأساتذة ويتحدثون عنا.. وكنت استمتع كثيرا بكتابة الرسائل إليها كل ليلة، فلم أنتبه لدروسي فجاءت نتائجي مذبذبة وقد أثار ذلك غضب والدي، أما أمي فمتأكد أنها قرأت بعض رسائلي إذ كانت دائما تلمح الى أن الحب الحقيقي لم يحن وقته بعد.. وإنما هذه أعراض المراهقة!... وكنت يومي الجمعة والسبت أغافل والدي وأدخل السوق وأجتهد وأعمل في حمل صناديق البطاطس والجزر والشمندر، وبالنقود اشتريت دراجة هوائية، بتُ أركبها وأزورها في بيتهم في حي آخر، ولم تكن زيارة وإنما أحّوم حول منزلهم، يوميا، كل مساء ، فأثار ذلك جارهم الفضولي، وأنا غريب عن الحي ... وفي إحدى الأمسيات سألني فقلت له صارخا بأن لا شأن له بي، والطريق طريق عمومي وليس ملكية خاصة! فغضب وانطلق الى والد سهام فأخبره فعنفها ووبخها فاتصلت بي وأخبرتني باكية.. ولما أقرّت لوالدها اكتشف أن والدي زميل وصديق قديم له، فكلاهما يمتهن التعليم... وبعد ثلاثة أيام سمعت أبي يخبر أمي بأنه على ميعاد مع زميل وصديق قديم ومميز، اسمه عبد المالك.. وسيلتقيان في مقهى الغرناطي. احمرّ وجه أمي فقال لها والدي: لماذا تورد وجهك؟ يا حبيبتي.. هل لا تزالين تتذكرينه يا فضيلة؟.. صمتت أمي ولم تقل شيئا وإنما طأطأت رأسها فأضاف هو: ذاك كان من الماضي.. حب المراهقة.. وقد استطعت أن أفوز بقلبك واقنعك بي بدلا عنه! ولا تنسي أنه كان أحسن أصدقائي لكنه هزمته في الدراسة والحب وتوظفت قبله.. ثم خرج وأوصد الباب وراءه..