تقف «الشعب» من خلال حوارها مع السيد ياسين سعيدي أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الطاهري ببشار، على واقع الوضع في دولة مالي وتطبيقات اتفاق السلم والمصالحة الذي تمّ توقيعه قبل أربع سنوات بفضل وساطة جزائرية ناجحة استمرت لسنوات. كما يتطرّق الحوار إلى التحديات الأمنية التي لازالت تعترض مسيرة الجارة الجنوبية نحو إقرار الاستقرار. «الشعب»: بعد أربع سنوات من توقيع اتفاق السلم والمصالحة في مالي بوساطة الجزائر، أين وصلت تطبيقات هذا الاتفاق؟ الأستاذ ياسين سعيدي: في الحقيقة توقيع إتفاق السلم والمصالحة بين الفرقاء الماليين في سياقه الزماني، يعدّ نوعا من الخطوات الإيجابية في المسار التاريخي للأزمة المالية التي تعود إلى تسعينات القرن الماضي، خاصة وأن توقيع الإتفاق جاء في سياق تعاظم الأزمة الأمنية وحدّتها، لكن بالعودة إجرائيا إلى مدى التقدّم في تطبيق بنود الإتفاق فإن ذلك لم يكن بالشكل المتوقع أو يرضي تلك الاستجابة التي أبداها الأطراف غداة توقيع الاتفاق، فعلى الرغم من التقدّم الميداني في مجال وقف القتال، فإن ضعف التقدم المحرز في مجال الانتشار الأمني الحكومي قد أضرّ بعملية نزع السلاح وإعادة هيكلة القوات الأمنية. إضافة إلى ذلك، فإن الأبعاد السياسية والاقتصادية التنموية والاجتماعية للاتفاق لم تجد طريقها للتجسيد رغم تعهد الرئيس المالي كايتا غداة انتخابه ببذل المزيد من الجهد في هذا السياق، ولعلّ خصوصية الأزمة المالية التي ترتكز على ثنائية التنمية مقابل الأمن وتعدد أطراف الأزمة، قد قوّض من فرص التقدم في تنفيذ الاتفاق بالرغم من المتابعة الجزائرية والرعاية الأممية للعملية برمتها. نسجّل في الفترة الأخيرة تصعيدا في معدلات العنف العرقي بمالي، ما أسباب هذه الانتكاسة الأمنية وكيف يمكن تجاوزها؟ الأزمة في مالي معقّدة جدا ولعلّ امتداداتها تحاكي واقع الدولة المأزوم في أفريقيا والذي يتغذى على النزاعات العرقية والاثنية والاحتراب المجتمعي والاختراق الدولي في كثير من الأحيان، ولعلّ تكوينية الفرقاء بأبعادها الجغرافية والأثنية دليل على رخوية أي جهود غير جذرية تمسّ بالأسباب الحقيقية المتمثلة في أزمة التنمية المناطقية والعدالة التوزيعية والمشاركة والتمثيل السياسي لجميع القوى لاسيما في شمال مالي، فهذه المطالب هي ما لم يتحقّق من بنود الاتفاق وإذا ما تمّ معالجة هذه المشاكل المطلبية، فإن مالي قد تتجه إلى صياغة أرضية حقيقة لإطلاق دولة ذات توجهات بنيوية قوية. يبدو أن التنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل وغرب إفريقيا مصرّة على مواصلة عملياتها، ونستشف هذا من الهجمات التي تحصل هنا وهناك، كيف تقرأون التحدي الإرهابي بهذه المنطقة، خاصة على ضوء الأزمة الليبية وانعكاساتها الخطيرة؟ أزمة التنظيمات الأرهابية تأتي في صدارة الشواغل الأمنية في المنطقة، ولعلّ البيئة الأمنية المعقدة والممتدة تعد بمثابة فضاء حاضن لها في ظلّ استثمارها في مصادر التهديد البنيوية والنسقية ولعلّ إعلان زعيم تنظيم داعش الإرهابي البغدادي عن إنشاء فروع جديدة للتنظيم في غرب أفريقيا وانطلاقا من ليبيا، يكشف عن خطورة الوضع بشكل يجعل مستقبل المنطقة يتجّه إلى استقطاب المزيد من الحركيات المؤثرة على استقرارها الأمني والوحدوي. في ضوء الإمكانيات المحدودة لمواجهة الجماعات الإرهابية وتنظيمات الجريمة المنظمة، كيف يمكن للساحل أن يستعيد أمنه؟ كما قلت سابقا أن الإرهاب يستثمر في امتداد التهديد والبيئة المساعدة لنموّه لأن معالجة الإرهاب لا يتمّ بمواجهة قطرية وإنما بتظافر الجهود وإيجاد سياسات تنسيقية حقيقية سواء باستيعاب قوى التمرّد الداخلي أو عن طريق خلق استراتيجية ميدانية مشتركة لمواجهة هذه الجماعات وغلق منافذ الإمداد والتحرّك، لعل الاهتمام ببرامج وأبعاد العملية التنموية كفيل بدعم هذه الجهود في إطار إقليمي مشترك قد يكون برعاية مؤسسية واضحة.