منذ أن التزمت سوريا بتطبيق المبادرة العربية إنزلق الوضع الأمني الى ما لا يحمد عقباه وبشكل أثار إنتباه المتتبعين وهذا بسقوط المزيد من القتلى والجرحى ليدخل عنصر جديد في هذه الأحداث ويتعلق بالولاياتالمتحدةالأمريكية التي تتهم حاليا من قبل أوساط سياسية سورية بالتدخل السافر في شؤونها، وهذا عقب دعوة المسلحين الى عدم التخلي عن مواجهة القوات المسلحة السورية والاحتفاظ بسلاحهم ردا على وزير الداخلية السوري الذي طالبهم بوضع سلاحهم مقابل إخلاء سبيلهم. هذا التطور في الوضع أخلط كل الأوراق تارة يجري الحديث عن ورقة الجامعة العربية وتارة أخرى يثارالتدخل الأمريكي. كل المؤشرات الأولية، كانت توحي بأن سوريا لن تسير وفق الأجندة العربية في استعادة السلم المدني، لأن أوضاع هذا البلد معقدة جدا، ومتداخلة الى درجة عدم فهم ما يقع السوريون وافقوا على المبادرة على مضض من باب أنها جاءت من العرب أنفسهم لكن تحفظاتهم كانت على الآجال المحددة لتنفيذها هناك، من كان يراهن على السرعة في سحب الآليات من الأحياء المحاصرة وهناك من كان يعتقد بأن كل شيء سيتم بضربة سحرية وكأن شيئا لم يكن، المشكل عميق جدا في سوريا ولا يمكن بين عشية وضحاها عودة الأمور الى مجراها الطبيعي وإستتباب الأمن بالشكل المأمول حتى وإن انسحبت الدبابات، فإن الاحتجاجات لن تتوقف هذا تحصيل حاصل وشيء منطقي، لأنه ليس هناك آلية متوجهة للمتظاهرين قصد دعوتهم للتوقف عن المسيرات والمظاهرات المناوئة للنظام وهذا ما يحرج القيادة السورية في الوقت الحاضر، كونها لم تجد الجهة المحلية القادرة على إنهاء تمرد الشارع عليها، ومساحة الخيارات أمامها ضيقة جدا ولاتستطيع فعل أي شيء في غياب محاورة المعارضة الحقيقية التي بإمكانها أن يسمع صوتها في الشارع السوري، للأسف هذا التوجه غير موجود لأن الخطاب الحالي لا يدعو الى الحوار، بل يستعمل عبارات المسلحين الإرهابيين، وغيرها من المصطلحات وهذا كله لا يبعث الى الانفراج، لأنه يتناقض مع مرامي مبادرة الجامعة العربية.. ولا تتساوق معها أبدا. ومما زاد في تأزم الوضع هو ما اعتبره السوريون بالتدخل الأمريكي وهم بذلك يفتحون جبهة أخرى مع الولاياتالمتحدة خاصة بعد مغادرة سفيرهم لدمشق لدواع أمنية، ومهاجمته عند زيارته للمدن السورية بأغراض متنوعة وبالتوازي مع ذلك، فإن السوريين لا يثقون في الجامعة العربية، واصفين إياها بشتى الأوصاف غير اللائقة سياسيا خاصة بعد تصريح نبيل العربي بأن رفض سوريا تطبيق المبادرة العربية سيكون أمرا كارثيا وهو بذلك يريد أن يقول بأننا لا نستبعد تكرار سيناريو ليبيا عندما أقدمت هذه الجامعة على فرض حظر جوي على هذا البلد وحوّل اليوم الى أطلال جراء قصف طائرات “الناتو” لكل المنشآت العسكرية والمدنية وتدميرها كلية، ويأتي كلام العربي بعد أن سجل تماطل سوري في الكف عن قتل المدنيين والذهاب الى الحلول المتفق عليها.. إلا أن السوريين قدّروا بذلك بتجاوز الجامعة لصلاحياتها، وهم الآن يراهنون على الحل الأمني الداخلي بدلا من الحوار، لأن هذا الأخير لا يعترفون به كون سقف مطالب المعارضة هو رحيل النظام القائم، وهنا تصطدم كل الإرادات السياسية في هذا البلد.