جاء مهرجان الجزائر الدولي للسينما، الذي اختتم مساء الاثنين الفارط، ليفتح النقاش مجددا حول مكانة السينما في الجزائر ودرجة اهتمام الجزائريين بهذا الفن، كما كان مناسبة لهواة الثقافة ببلادنا للتعبير عن تشجيعهم لمثل هذه التظاهرات والإلحاح على توفير الإمكانيات المادية والمعنوية وسبل النجاح، لجعله مهرجانا دوليا ذو أبعاد ثقافية، سياحية وحتى اقتصادية. على مدار أسبوع كامل كان عشاق الفن السابع على موعد مع أيام الفيلم الملتزم، التي احتضنتها قاعة متحف سينما الجزائر العاصمة، عرضت فيها أفلام لمخرجين جزائريين وأجانب تصور قضايا إنسانية سياسية اقتصادية واجتماعية، سمحت للجمهور الجزائري التعرف على وجهات نظر مختلفة لأمهات القضايا في العالم بالصوت والصورة، إذ رحل من خلالها إلى أمريكا الجنوبية وأسيا وإفريقيا الجنوبية عبر العديد من الأفلام، إذ تم عرض فيلمين للمخرج العالمي ''اوليفر ستون '' الذي حضر إلى الجزائر قبل أيام من بدا التظاهرة، وفيلم للمخرج الفرنسي المعروف فيليب دياز إضافة إلى فيلم لرشيد بوشارب، كما شارك المخرج الجزائري العربي بن شيحة بفيلم تاريخي، دون أن ننسى المشاركة الفلسطينية لمؤسسة الإنتاج ''شاشات '' والمخرجين البلجيكي ''إيف فاندويرد '' والأمريكي ''شارل بورنت. '' وعلى هامش التظاهرة نظمت ندوات نقاش ولقاءات إعلامية مع مخرجي الأعمال المشاركة، تطرقوا فيها إلى مختلف الجوانب المتعلقة بأفلامهم ومكانة الفيلم الملتزم في عالم اليوم الذي تطغى عليه الأعمال التجارية. وعن هذه التظاهرة أكد لنا رئيسها الشرفي أحمد بجاوي، أنها انطلاقة أولى تمهيدا لدورات سنوية قادمة تشارك فيها أعمال جديدة، ستتسابق على جوائز المهرجان الذي سيشهد تطورا مع مرور الدورات، وبالتالي كما قال بجاوي سيكون فرصة لالتقاء المخرجين والمنتجين الجزائريين بنظرائهم من مختلف دول العالم، لعرض أخر أعمالهم ومناقشة واقع السينما وغيرها من المواضيع التي لها علاقة بالفن السابع، كل هذا بهدف جعله موعدا دوليا على غرار باقي المهرجانات العالمية. وأبدى بجاوي تفاؤله بانطلاقة المهرجان، الذي يرى أن الطبعة الأولى كانت ناجحة إذ تم حسبه تسليط الضوء على أهم الأعمال الملتزمة. وعن الدورة القادمة أكد بجاوي أنها ستتزامن مع الاحتفال بخمسينية استقلال الجزائر، لذلك حسب بجاوي ستكون مخصصة لعرض الأعمال الثورية. من جهة أخرى، عبر المشاركون في التظاهرة عن سعادتهم بتواجدهم بالجزائر لعرض أعمالهم، خاصة وان البعض منهم يزور الجزائر لأول مرة، وبالتالي كانت مناسبة لهم لاكتشاف الجمهور الجزائري والمخرجين والمنتجين الجزائريين، وهو ما ذهب إليه المخرج الفرنسي ''جاك سارازين '' الذي صرح بأنه استغل فرصة تواجده بالجزائر للتعرف على مختلف الأعمال السينمائية الجزائرية والالتقاء معهم لتبادل الأفكار والآراء، وكانت مناسبة حسبه لزيارة أماكن على مستوى العاصمة اكتشف من خلالها جمالها وآثارها المختلفة، كما عبر عن تفاؤله بمستقبل المهرجان الذي قال عنه أنه ''أمر ايجابي أن ينظم مهرجان للفيلم الملتزم، في الوقت الذي نجد أن المهرجانات العالمية تهتم فقط بالأفلام التجارية ''، وواصل حديثه ''مهرجان الجزائر العاصمة يحتاج فقط إلى دعاية إعلامية اكبر لإبرازه وزيادة إقبال الجمهور على الأعمال المعروضة . '' كما كان لبعض الذين حضروا لمشاهدة عرض الأفلام رأي في التظاهرة، التي يرون أنها مناسبة للاطلاع على أخر الأعمال الجزائرية والأجنبية ولقاء المخرجين والمنتجين، وهو ما يسمح لهم باكتساب ثقافة سينمائية واسعة، وتمنوا أن تكون طبعة هذا العام بداية وانطلاقة لتظاهرة دولية مهمة، وان لا يكون مصيرها كباقي التظاهرات السينمائية السابقة التي توقفت. كما يرى بعض ممن التقيناهم، أنه بمثل هذه التظاهرات تتمكن السينما الجزائرية من استرجاع مكانتها الحقيقة وإعادة إحياء ثقافة الحضور للقاعات السينمائية لمشاهدة الأعمال الجديدة والملتزمة ذات المستوى، التي تهتم بقضايا المجتمع الجزائري واهتماماته، ولم يخف البعض التأكيد على دور مثل هذه المهرجانات في تطوير السياحة بالجزائر من خلال الحضور الأجنبي السينمائي والإعلامي. نقطة مهمة أثارت تساءل الجميع، تمثلت في غياب الجمهور الذي لم يحضر بكثافة رغم جهود المنظمين من اجل الدعاية للمهرجان، عبر ملصقات ومنشورات للتعريف بالأفلام المعروضة ومختلف الندوات التي تقام على هامش التظاهرة، لكن بقي الحضور محتشما عدا يوم الافتتاح والاختتام رغم أهمية التظاهرة وتنظيمها في قلب العاصمة بالسينماتيك، التي تشهد حركية كبيرة ليلا ونهارا إلى درجة أن بعض المخرجين لم يترددوا في التعبير عن استغرابهم لهذا الغياب للإعلاميين الحاضرين للتغطية، والتساؤل عن سبب عزوف الجزائريين عن الحضور لمشاهدة أعمالهم. وفي الختام لابد من الإشارة إلى المجهودات التي بدلها المشرفون على المهرجان، الذين عملوا المستحيل من اجل إنجاحه من خلال التسهيلات التي قدموها لجميع الضيوف والإعلاميين، في انتظار الدورة القادمة التي يتمنى الجميع أن تكون أكثر نجاحا.