تسألني عن سي محمد البودالي؟ تسألني ثم تتعجب! ولما الدهشة؟ أليس واحدا من أبناء منطقتنا ورجلاً من مدينتنا الصغيرة؟ والواجب الديني والأخلاقي يحتم علي أن أحضر جنازته معكم الآن... آه ....فهمت أنت تتعجب لأنك ما رأيتني أجالسه في المقهى ! وما رأيتني ألاعبه السيق عند سيدي الشيخ! وما لمحتني واقفا أحادثه في سوق الأربعاء ولا عند الطبيب! أوأمام المسجد لما تنتهي صلاة الجمعة!.. سؤالك في محله ، وعجبك أيضا مفهوم! ستندهش إذ أنا قلت لك بأني لم التقيه وأجالسه طويلاً إلا ثلاث مرات أوأربع منذ الاستقلال! لكن موقفا واحدا ، ومواقفه كثيرة، صنعت له مكانا خاصا في قلبي ، ومنذ ذلك اليوم وأنا أحبه ، أحترمه ، أجله حتى وإن لم التقيه ... بالطبع هوموقف بسيط في نظر أكثر الحاضرين في هذا المأتم لكن كان موقفا عظيما في نظري ... الله يرحمه ... زار الوالي مدينتنا الصغيرة ، لم تكن مدينة وإنما قرية ، وحضر ممثلون عن المناطق المجاورة ...وما إن شرع الوالي في إلقاء كلمته باللغة الفرنسية حتى أشار سي البودالي الى بعض الحاضرين الذين يعرفهم بالانسحاب ... فزجرهم الوالي بعنف وبنيرة استعلائية : هل تحسبون أنفسكم في السوق الأسبوعية ؟ صمتوا جميعا الا هوإذ تحدث بنبرة حزينة لكن بثقة وقال كلاما لا زلت أعيه حتى اليوم: لن نجلس معكم حتى تخاطبوننا بلغتنا العربية وليس بالفرنسية . بالأمس فقط طردنا الفرنسيين واليوم تأتون الينا تحدثوننا بلغتهم ... والدموع لم تجف بعد ، الألأم ، البؤس واليتامى ...لا تزال رطانة العسكر الفرنسيين الغاشمين ترن في أذاننا ! أنا أعذرك ربما حرمت من تعلم لغتك العربية ! على الأقل تحدث بالدارجة ! نفهمك وتفهمنا ... واعتذر الوالي وتحدث إلينا باللهجة المحلية . وبالفعل قيل لنا الوالي لم يخاطب المواطنين باللغة الفرنسية طيلة خدمته في ولايتنا ... لقد كنت أحد الحاضرين ... ذلك الموقف البسيط جعلني أحب سي البودالي ، أحب ذلك الزمن وأحب رجاله...