يبدو أن اللغة العربية في الوقت الراهن لم تعد قادرة على التواصل بين أشراف القبيلة وأفرادها، ومن حسن الحظ فقد اكتشف هذه الحقيقة المروعة بعض سادتنا الذين وجدوا في اللغة الفرنسية مخرجا لهذه المشكلة العويصة، فراحوا ينسجون بها مسارهم السياسي بشكل جعلهم يصدقون هذه الخرافة بكل امتياز. عندما يتحدّث سادتنا إلينا بهذه اللغة الجميلة ويتصورون أنفسهم يقدمون خدمة جليلة لنا، ويستحقون على ذلك التقدير والاحترام يكونون قد ارتكبوا في حقنا جرما شنيعا، لأنهم بهذه الردة يسيئون إلى مشاعرنا وأحاسيسنا، ويضعوننا في موقف حرج أمام العالم بأسره، إذ يجعلونه يصدق ما هو شائع عنا بأننا فرنسيين ماداموا يتغنون بلغة لامارتين ببراعة وإتقان يعجز حتى عنها أحفاده من الفرنسيين وإذا كان مسؤولونا قد باتوا مقتنعين بأن الفرنسية هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الشعب الجزائري، فمن باب أولى لهم ترسميها دستوريا حتى نستطيع الدفاع عنهم على الأقل أمام الغلابة الذين يتساءلون بعفوية عن هوية هؤلاء الذين يتحدثون باسمهم في المحافل الرسمية، وإذا كانت العربية تزعجهم إلى حد العبث بصرفها ونحوها، ولم يستطيعوا إتقانها رغم ظروفهم الحسنة، فليغادروا الساحة ويتركوا الجزائر لمن يلبس برنوسها، ويعتز بماضيها، ويفهم حاضرها، ويستشرف مستقبلها. لقد عادت الفرنسية إلى ربوعنا في ثوبها الجديد بعد أن خلعت ثوبها القديم، لقد عادت هذه المرة تحمل لنا حزمة من مشاريع الصداقة والمحبة، ولا بأس في خضم هذه العودة الميمونة أن تمطرنا بوابل من الإهانات والسخافات، ونسكت على حماقاتها مادام ذلك يدخل في إطار ما اصطلح عليه بتحسين العلاقات الودية ونسيان جراح الماضي بين بلدين لم يكن ما بينهما سوى غنيمة حرب ظفر بها أحدهما ليطرد بها الضاد من عقر داره، ويترك مكانه لهذه الشقراء لتأخذ منه ما تبقى من كرامته وكبريائه في زمن الضياع والبؤس والردة. لن نستريح من أوجاع هذه الشقراء التي تربعت على عرشنا أكثر من قرن طالما أن هناك في قبيلتنا من لم يتحرر بعد من سحرها وجمالها الفاتن، وأنى له أن يتحر رمن أسرها، ولسانه لا ينطق إلا بذكريات طفولته معها، ولو أنه أحب أوراسه وجرجرته بقدر هذا الحب العذري الجميل لشفي من هذه التبعية التي استباحت رجولتنا مجانا في زمن القهر. [email protected]