مرة أخرى يعود الحديث فيها إلى الجامعة الجزائرية ما لها وما عليها، وأيّ مسؤولية تتحملها في قيادة المجتمع والأمة، وما تفرضه من واجبات تجاه مرافقة المنظومة الاقتصادية التي توجد في مفترق طرق للإقلاع نحو خلق النمو والعمل والقيمة المضافة دون الاتكالية على الريع البترولي الثروة غير الدائمة. مرة أخرى تشرح فيها الجامعة وتحدد لها خارطة الطريق في مواصلة مرافقة عملية البناء والإنماء، والتكيف مع الظرف المتغير بأسرع ما يمكن مكسّرا الحالة الستاتيكية الكاسدة التي تحمل الخطر الأكيد على التطور. وهو تطور يسير على القاعدة المقدسة الثابتة دوما ومفادها “كل من لا يتغيّر لا يتقدم ومآله السقوط والتأخر عن الركب”. إنها القادة التي تعد بحق بارومتر قياس تطور الوحدات السياسية أو تأخرها، ومؤشر قياس ما اصطلح عليه بالدول الناشئة والمتقدمة بديلا للمعيار الكلاسيكي المقسم للعالم على أساس جغرافي سياسي شمال وجنوب أو الدول المتطورة والمتخلف بحكم سقوطها في كنف استعمال أوقف صيرورة المسار والمشاركة في الحضارة الإنسانية. الجزائر التي تتابع الحركية تسابق الزمن من أجل أن تتبوّأ مكانة تليق بمقامها وموقعها اعتمادا على مؤسساتها الجامعية الميزان الدقيق لوضع المجتمع، وعصبة البناء الذي لا يعترف بالحدود عدا حدود العلم والمعرفة. إنّها مسؤولية حدّدها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة للجامعة الجزائرية من الأغواط في افتتاحه لموسم التعليم العالي، مذكّرا بالثوابت والمتغيّرات التي تسير عليها هذه المؤسسات ال 85 الموزعة عبر الولايات، مؤمنة بصفة ديمقراطية التحصيل المعرفي ل 3 ، 1 مليون طالب، يؤطّرهم 40 ألف أستاذ من مختلف الرتب والتخصصات. لقد حدّد الرئيس بوتفليقة في خطابه الافتتاحي للموسم التعليمي الجديد الأطر التي تسير عليها الجامعة الجزائرية، ودورها الوظيفي في تفعيل الحياة الفكرية والسياسية والحراك الاقتصادي الاجتماعي، مؤمّن الاستقرار الوطني، حامي السيادة من تقلبات الظرف والطوارئ، ضامن المستقبل غير مرهون له في عالم يعيش على وقع الاضطرابات غير المتناهية المطالب بحكامة التسيير ونجاعة إدارة شؤون الرعية دون اتكالية وذهنية “تخطي راسي”. على هذا الأساس، حدّدت مسؤولية الجامعة الجزائرية في إقرار التواصل والاتصال مع المحيط الاقتصادي، وهو محيط تطالب فيها المؤسسة بتخصصات دقيقة لرفع الإنتاج والتوسع والتموقع في خارطة وطنية تتشكل تضيق تحت حدة المنافسة. مراكز امتياز لمرافقة جهود التنمية المستدامة وتفرض هذه الوضعية مراجعة معادلة الجامعة / المؤسسة وبناؤها على أساس التوازن بين برنامج التعليم العالي واحتياجات الاقتصاد الوطني وشروطه في فرض الوجود، واقتحام الفضاءات الخارجية في زمن تزحف فيه العولمة وتكسر الحواجز والحدود وتسقط الممنوعات الواحدة تلو الأخرى. وقد أخذت الجامعة والمؤسسة هذا المعطى محدثة شراكة نموذجية بيت التحصيل العلمي المعرفي والحراك الاقتصادي في جزائر تخوض تجربة التقويم والتجدد اعتمادا على مقوماتها وخصوصيتها بعيدا عن الأفكار الجاهزة المستوردة وما تحمله من خطورة السقوط في الاختلال والإخفاق والتعثر. وتعدّ العقود المبرمة بين مختلف المؤسسات الجامعية والوحدات الاقتصادية مثالا حيّا على أن التعليم العالي استفاد من التحول السريع، وقرر الانفتاح على المحيط مكسّرا حاجز البقاء اسر البرج العاجي. وتقضي العقود اعتماد برامج تعليمية مختصة تلبي طلب الاقتصاد الوطني في التزود بمعارف وشعب يأتي بها متخرجون من جامعات حاملين شهادات ذات نوعية تسمح لهم بالعمل المباشر في رفع الإنتاج دون المرور برسكلة إضافية مكلفة للوقت والمال. وجاءت هذه المحصلة بعد مخاض عسير للمؤسسات الجامعية التي عاشت إصلاحات جذرية، تخلّت عبرها على القاعدة السلبية “التكوين من اجل التكوين”. وانطلقت في مسارات مراجعة النظام العلمي البيداغوجي، وإقرار تحسينات جعل خريجيها أكثر أهلا لسوق التشغيل بعيدا عن حمل شهادة كاسدة تزيدهم غرقا في البطالة، والسقوط الإجباري في اليأس والقنوط، والتفكير في الهجرة غير الشرعية إلى الضفة الأخرى اعتقادا خاطئا أنها مخرج النجاة الأبدي. جاءت المحصلة في إطار عمليات إعادة هيكلة الجامعات الكبرى، ومراجعة تنظيمها اعتمادا على توصيات جلسات الاستماع لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، وما تفرضه من تدابير عاجلة لإقامة كيانات جامعية متوازنة بتعداد طلابي مقبول يتحكم فيه يضمن تكوين نوعي، يرسي أسس الإدارة الراشدة ويزوّدها بآليات المتابعة والمرافقة في تجسيد البرامج التعليمية الموجه لتلبية احتياجات وطنية اقتصادية أكثر من التنظير المعاكس للواقعية الموازي له. وتعزّز هذا التوجه التي تتحول فيه الجامعة من مدرجات وأقسام إلى مراكز امتياز ترافق جهود التنمية، شبكة المدارس الوطنية العليا التي أسند لها مهام تخرج كفاءات مسيّرة مسلّحة بأدوات المعرفة. وهي كفاءات تتوفر على مقاييس ليس فقط التسيير العادي للمؤسسات الاقتصادية، لكن اتخاذ القرار لعلاج أزمات طارئة، وتعقيدات مستجدة بمبادرة مستقلة فورية، وانتظار مؤشّرات فوقية مركزية.