حتمية تاريخية للردّ على سياسة الجنرال ديغول حنكة قادة الثورة تعطينا دروسا في قوّة تضامنها تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كان حتمية تاريخية للرد على سياسة الجنرال شارل ديغول الرامية لخنق الثورة من جهة، وللدفاع عن عدالة القضية الجزائرية في المحافل الدولية كممثل شرعي للشعب الجزائري، كما أن تعيين فرحات عباس رئيسا لها لم يكن اعتباطيا بل لاعتبارات أهمها إسقاط شبهة كانت تروّج لها فرنسا أن الثورة يسارية أو ماركسية، كما أن الشخصية الليبرالية لها علاقات جيدة مع أمريكا، هذا ما أوضحه أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الجزائر 02 ببوزريعة عبد الحميد دليوح في تصريح ل«الشعب”. الشعب: معظم الدراسات التاريخية تتناول تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية على أساس أنّها كانت حتمية تاريخية للردّ على سياسة الجنرال ديغول من جهة، ولتطوّر الأحداث الدولية فيما يتعلق بقضايا تصفية الاستعمار وتقرير مصير الشعوب، ما قولكم؟ الأستاذ دليوح: فكرة تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، هي فكرة متقدّمة جدّا بالنسبة للثورة الجزائرية قدم انطلاقها وكانت محض التشاور من طرف أعضاء الوفد الخارجي في القاهرة وحتى في أوروبا والأمم المتحدة، لكن طرح الفكرة على القادة بالداخل واجهت معارضة شديدة، خاصة من طرف عبان رمضان الذي رفض الفكرة جملة وتفصيلا في البداية، رفض أن تكون حكومة بالخارج وتعويضها بحكومة بالداخل ثم رفض الفكرة تماما. لكن بعد سلسلة من الأحداث التي عاشتها الثورة مع الإستعمار، بدأت الفكرة تتجسّد حتى أصبحت أمرا حتميا خاصة بعد اختطاف الطائرة في 22 أكتوبر 1956 التي كانت تحمل القيادات التاريخية، ثم طرحت الفكرة بشكل أكثر جدية سنة 1957 خلال جلسات المؤتمر الثاني للمجلس الوطني للثورة الجزائرية المنعقد بالقاهرة من 20 إلى 28 أوت 1957، حيث اتخذ قرار تمّ بموجبه التفويض للجنة التنسيق والتنفيذ بتأسيس حكومة جزائرية حينما تحين الظروف المواتية. بالإضافة إلى مؤتمر طنجة في أفريل 1958 الذي طرح للنقاش فكرة تأسيس حكومة مؤقتة جزائرية على الصعيد المغاربي، واتفق على إجراء مشاورات مع حكومتي المغرب وتونس من أجل إقامة حكومة مؤقتة جزائرية في المنفى لتمثيل الجزائريين، وهنا بدأت تتضح معالم حتمية وجود تأسيس حكومة مؤقتة. الأمر الذي أدّى للتسريع في تأسيس حكومة مؤقتة هو صعود الجنرال شارل ديغول للحكم سنة 1958، وتلافي الخلافات بين كل قادة الثورة، لأن ديغول في الحرب العالمية الثانية له قوّة دبلوماسية ويستطيع أن يعود بفرنسا للساحة الدولية بعدما غيّبتها الثورة الجزائرية، وهذا ما عبر عنه الفرنسيون بمصطلح ديان بيان فو الدبلوماسي، ديغول قادر أن يكسر هذا الحصار الدبلوماسي الذي فرضته ثورتنا والدول العربية والإسلامية ودول عدم الإنحياز المتضامنة مع الثورة الجزائرية، لهذا كانت رد فعل وحتمية في نفس الوقت خاصّة أن كثير من الدول العربية، مصر وليبيا كانت تدفعان في سبيل تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. قبل تأسيس الحكومة المؤقتة كلّفت لجنة التنسيق والتنفيذ باستشارة الدول العربية والشقيقة، حيث أن السلطات المصرية والتونسية والمغربية واللبيبة كانوا يعلمون بتأسيسها قبل الإعلان عن ذلك. - هناك من يرجع مسألة تأخّر الإعتراف المصري بالحكومة المؤقتة إلى عدم رضا الحكومة المصرية بتعيين فرحات عباس، لأن مصر كانت تفضّل أحمد بن بلة رئيسا بدلا من فرحات عباس، هل هذا صحيح؟. لا يجب طرحه هذا الإشكال لأن تأسيس الحكومة المؤقتة كان بالقاهرة وبموافقة السلطات المصرية، فمصر لم تكن سباقة للاعتراف وسبقتها دول عربية كالعراق وليبيا، هذا مردّه أن الحكومة المصرية أرادت إبعاد شبهة التحريك، والدفع بالجزائريين لتأسيس الحكومة واختارت التريّث أو تسبقها دول أخرى كي توجه رسالة أن مواقفها من موقف بعض الدول العربية، لكي لا يكون هناك لديها إحراج بفرضية التحريك مثلما وقع سنة 1958 أثناء العدوان الثلاثي على مصر. اختيار فرحات له عدة مبرّرات أهمّها، من غير الممكن ترؤس بن بلة الحكومة لأنّه كان في السجن فرمزية تواجده في الحكومة تكون بمنصب نائب رئيس الحكومة، وهذا ما كان حتى الاستقلال، ثانيا أن اختيار فرحات عباس كان عن طريق لجنة التنسيق والتنفيذ من طرف الأمين دباغين لإسقاط شبهة كانت تروّج لها فرنسا والمستوطنين أن الثورة الجزائرية يسارية أو ماركسية وبالتالي هذا ما سيضعفها. فكان اختيار هذه الشخصية الليبرالي الرأسمالي، بحكم أنه مقرب ومحتفظ بعلاقات جيّدة مع أمريكا، منذ بيان فيفري 1943 وكانت السلطات الفرنسية تعلم ذلك، البيان الذي قام بإعداده كان باتفاق مع بعض الأمريكان الذين استقبلوه عدة مرات بالسفارة الأمريكية بباريس الرجل مقرب من المحيط الأمريكي ويحبّذ اللعب في الحديقة الخلفية للاستعمار الفرنسي، ويستطيع زرع نوع من عدم الثقة خاصة لدى الحلفاء الطبيعيين للفرنسيين. - يعتبر تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية حدثا بارزا في تاريخ الثورة الجزائرية، لماذا اختير يوم 19 سبتمبر تاريخا لتأسيسها؟، وكيف يمكن للأجيال الاستلهام من مثل هذه المحطات التاريخية؟ . أنشأت ثمانية لجان وزارية لدراسة فكرة إمكانية تكوين حكومة مؤقتة، وبدأت تعمل خلال الفترة الممتدة من جويلية إلى سبتمبر 1958، وقد أفضت الاستشارات والتقارير إلى شبه إجماع على ضرورة تأسيس هذه الحكومة وتم إختيار 19 سبتمبر الذي أعلن عنه فرحات عباس، خلال ندوة صحفية أثناء بيان تأسيس الحكومة، حيث توجّه في خطابه بالشكر للرئيس المصري جمال عبد الناصر وهو الرئيس العربي الوحيد الذي سمي بهذا الاسم. وما يمكن استلهامه أن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تنبّهنا عن ذلك التسيير الدبلوماسي الذكي للثورة الجزائرية التي عملت على تدويل القضية وفي سبيل مقارعة الاستعمار الفرنسي وتخفيف الضغط السياسي والدبلوماسي الذي كان سيشكله تواجد رجل محنّك على رأسها مثل شارل ديغول، الحنكة السياسية البالغة والقوّة الدبلوماسية وعدالة القضية الجزائرية التي تعطينا دائما دروس في قوّة تضامنها وتوحيدها حتى لكل العرب الذين توحّدوا من أجل الثورة الجزائرية وأصبح شغلهم الشاغل، نحن نتكلّم عن نضال دولي عربي في سبيل القضية الجزائرية.