حياة شعب لا تُقاس بالأيام والأعوام، تُقاس بكبريات الأحداث والإنجازات. الفاتح نوفمبر تاريخٌ ومرجعٌ والاستقلال تاريخٌ ومنطلقٌ، وأحداث أكتوبر 1988 تاريخ وأزمة ومحاولة إصلاح، و22 فبراير تاريخ ثورة ومحطة ومسار خطّ الجزائريون مكوناته وترجمته إرادة في رؤية انتقالية، بدأت من تفادي كل فراغ سياسي مؤسساتي، ثم منحت المسار اليوم إطارا دستوريا يكون مرجعا في عملية الانتقال لنظام سياسي آخر. عملية التغيير والانتقال ليست أبدا مسألة إجرائية تقنية وليست مسألة قانونية، بل هي فعل سياسي بأبعاد متنوعة وكثيرة. هي عمل من أجل إنقاذ الدولة ومؤسساتها، وهي نقل لهذه المؤسسات من حالة من التدهور وحتى من اللاشرعية، إلى مرحلة من المصداقية والفعالية ومن القدرة على تلبية مطالب الجزائريين أصحاب السيادة. طبعا، واضح أنه لا يمكن أن يبقى النظام على ما كان عليه، كما لا يمكن أن نبني مؤسسات في الشارع وواضح أنه لا يمكن أن نبني جديدا بمكونات القديم الفاسدة ولا يمكن أن نبني الجديد على الفراغ وأن نبدأ من نقطة صفر. واضح أيضا، أنه لا يمكن للمؤسسات، وهي تعيش ما تعيشه من تدهور سمعتها ومصداقيتها وانفصالها عن الجزائريين، أن تحمل بنجاح وفعالية التغيير. ولا يمكن للنخب التي تلوثت بالممارسات الخاطئة للسلطة والتي مارست التسلط، أن ترضى على التغيير وأن تسير في ركبه، إلا مضطرة أو مناورة. كما لا يمكن كسر الركود والتغلب على قوى الجمود ب»حسن النية» أو حتى ب»التسامح» بالنسبة للبعض، فالتغيير في حاجة لإرادة حاسمة حازمة. لهذا، فالمنطق يحتم أن يقوم التغيير على رؤية متكاملة وعلى عمليات متتالية ومنتظمة هادئة ومنضبطة. ولكن ينبغي أيضا، أن تتخلص إرادة التغيير ومسار التغيير من تعطيل ومن كل ما يسيء لمصداقيتها، خاصة ما يذكر بالضلال وبالتسلط والفساد، وجوها وتنظيمات وخاصة مصالح ومنطق. لهذا، فإن عملية التغيير، قبل الدستور الجديد وبعده، لن تجد طريقا معبدا ولن تسير بالسرعة المطلوبة إلا إذا وجدت من الدعم الاجتماعي ومن المصداقية ما يرفدها ويسندها ويحميها من المناورات.