قرأت، كما قرأ الكثير، تصريحين على الأقل يؤكدان أن نهاية النظام صارت قريبة. الأول هو للأستاذ علي يحي عبد النور الذي توقع في ندوة بكندا، أن يأتي التغيير كأقصى أجل في شهر أفريل 2015، في حين توقع سعيد سعدي، في تصريح حديث له على هامش تقديم كتابه الجديد، أن “نهاية النظام قريبة” من دون أن يحدد تاريخا لها. لسنا ندري كيف سينتهي هذا النظام، هل سينهار كليا أم أنه سينهار من الداخل فقط، أي في شكل انتخابات رئاسية مسبقة أو إقرار حالة الشغور وتطبيق أحكام الدستور، أم على شكل آخر غير متوقع. الذين تحدثوا في الموضوع سواء الأستاذ علي يحي أو سعدي أو غيرهما من أحزاب وتكتلات أو شخصيات أو محللين، جلهم رأى أن هذا النظام انتهت فترة صلاحياته وهو يعيش حالة انسداد وعجز، بتعبير مولود حمروش. هل يملك الرجلان معلومات أم أنها مجرد قراءة للوضع وتقدير له؟ الاحتمالان واردان، حتى وإن كان من الصعب رؤية مؤشرات مقنعة استندا لها. طبعا ينبغي أن ننتبه إلى أن ذهاب سلطة لا يعني تغيير النظام وأن ذهاب حاكم لا يعني انتهاء سلطة، ولهذا لسنا ندري ما الذي قصده الأستاذ علي يحي وقصده السيد سعدي، بالحديث عن انتهاء “le pouvoir” أو “le régime” السلطة أو النظام. ولكن عامة يفهم أن الوضع القائم قارب على نهايته. لن أتساءل في هذه السطور عما سيأتي بعد الوضع القائم، فذلك مسألة أخرى لم يتطرق لها الرجلان في تصريحيهما. ولكن التساؤل الأساسي في سياق الحديث عن نهايةٍ للوضع القائم هو: كيف ستتم عملية إنهاء هذا الوضع ومن سيقوم بذلك وهل سيكون فعلا إراديا، أي بإرادة النظام أو بإرادة قوة أو قوى أخرى، أو فعلا تلقائيا، بما يعني أن الوضع ينهار نتيجة لانسداده وعجزه؟ دعنا نتوقف عند مسألة واحدة. هل هناك قوة أو قوى سياسية قادرة على دفع مكونات الوضع القائم والمسيطرين عليه إلى “التغيير” أو إلى “الانهيار”؟ من الصعب، في معطيات الوضع الحالي، تلمس مؤشرات تدفع للاعتقاد بأن هناك قوة أو قوى سياسية قادرة على ذلك. وهل هناك مصالح تجارية مالية، داخلية وخارجية، لها مصلحة في “التغيير” أو في “سقوط” الوضع القائم أو “انهياره”؟ واضح أن الحكم الحالي أقام له تحالفات مصلحية، بعضها يمكن اعتبارها “تحالفات ذاتية!”، أي أنه يتحالف مع مصالح هو من أوجدها ورعاها وأغدق عليها من الأموال العامة، ولا داعي لذكر الأسماء فهي معروفة، وبعضها كانت موجودة وكبرت وتحالفت معه، وهذه التحالفات صارت، بتقدير الكثيرين، أقوى من الساحة السياسية ومن أحزاب السلطة، بل صارت هي ممول هذه الأحزاب وانتخاباتها، كما صارت الممول الرئيسي للانتخابات الرئاسية. لهذا من الصعب تصور أن هذا “التحالف” راغب في “التغيير” لأنه مكون أساسي من مكونات الوضع القائم والمستفيد الأساسي منه. بقي التساؤل هل هذا “التحالف” صار هو السلطة الفعلية وصار هو النظام، وبكلمات أوضح هل صار أقوى من “المخابرات” ومن “قيادة الجيش” ومن مختلف البيروقراطيات؟ على الرغم من أن الكثير يصور أن “قوة المصالح” آتية من قوة حماية ناس السلطة والنفوذ لها ومن مشاركتهم لهم أو إدارتهم لهم، ومن قدرتها على شراء ذمم الكثيرين وفي مختلف المستويات، إلا أن هناك من مازال يقدر أن “الدولة العميقة” مازالت هي الأقوى. لكن انتهاء الوضع القائم مرتبط في أذهان الكثيرين بمرض الرئيس أو عجزه وما يتسبب فيه ذلك من انسداد سياسي مؤسساتي وما يطرحه من تعقيدات رأيناها في الإقرار غير المنطقي للعهدة الرابعة. هذا الانسداد وهذه التعقيدات تزداد حدة يوما بعد يوم وتجعل الأطراف تُحيِّد بعضها وتجعل اتخاذ القرارات مستحيلا في هذا الاتجاه أو ذلك، وهو ما يجعل البلاد تعيش على وطأ مناورات ومناورات مضادة. العقلاء مازالوا يقولون بصوت عال لمن يريد أن يسمعه: هناك خياران، إما تغيير قائم على توافق وطني جديد وإما انهيار السلطة القائمة، ولأن البلاد من غير مؤسسات تقريبا فإن ذلك سيعني انهيار الدولة أيضا. فعلى أي شكل سينتهي هذا الوضع القائم؟ لا أحد يدري إلا من هم يدرون فعلا.