هل جاءت الفرصة للنهوض بصناعة جزائرية تمتلك مقومات النجاعة لتلبية الحاجيات الوطنية، اعتمادا على قدرات ذاتية دون اتكالية؟ أي خيارات مطروحة لكسب رهان صناعة تتحدى الصعاب، تتعدى الحمائية في فرض علامتها بخارطة تضيق تحت حدة منافسة لا تعترف بالحواجز، عدا حواجز النوعية والجودة؟ إنه التحدي الكبير لجزائر تشق طريقها بعزيمة وثبات من أجل إقامة مشروع وطني تشكل منظومتها الاقتصادية قلبه النابض وحركيته. ذكر وزير القطاع فرحات آيت علي بمقاربة في هذا الشأن، تطرح البدائل الممكنة لصناعة وطنية عانت طويلا من سياسة إعادة هيكلة لم تنته، تاركة مؤسسات كثيرة ضعيفة متضررة، لم تنجح الأموال المضخة في إصلاح عطبها، فأبقتها مجرد هياكل بلا روح. حدث هذا نتيجة التخلي عن خيارات اقتصادية، اعتمدت في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين الذي وضع أرضية صلبة، عوّل عليها في بعث قاعدة صناعية تجعل من البلاد قطبا جهويا، يستمد قوته من صناعة ثقيلة تلبي الطلب المحلي والتصدير. لكن الذين تولوا القيادة بعده أخلفوا العهد، باعتمادهم خيارات لم تكن في مستوى الأهداف المسطرة. والنتيجة دخول الصناعة الجزائرية في نفق مظلم نتيجة سياسة إعادة هيكلة لم تخرج منها سالمة معافاة. وظلت حبيسة وضعية مريرة لم تقدر على تخفيف عبء استيراد جنوني استنزف أموالا وأموالا، وعجل بسقوط البلاد في استدانة خارجية مكلفة وإملاءات مؤسسات بروتون وودز بعد انهيار أسعار المحروقات، بدءا من أواسط الثمانينيات من القرن الماضي وما ولدته من عواصف واحتجاجات. تجاوزا للإخفاقات المتكررة، جاء النموذج الاقتصادي الجديد، ليكون خيار الإقلاع الآمن، مراهنا على تنويع النمو واقتصاد المعرفة، بهدف إعطاء ديناميكية لتنمية شاملة خارج المحروقات. وتظهر هذه السياسة من خلال التزامات الرئيس تبون، الذي رافع لمضاعفة شركات ناشئة وتوجيه الاستهلاك الوطني والطلب العمومي نحو إنتاجها والعمل على ظهور جيل جديد من رجال أعمال يساهمون في إقامة منظومة اقتصادية منتجة، موجهة نحو الصناعات المصغرة بهدف تلبية الطلب المحلي وتعويض الواردات، تتخذ من اقتصاد السوق قاعدة لها لفرض الذات دون اتكالية.