من المفيد العودة إلى مصادر علمية للحديث قليلا عن البعوض بحد ذاته من خلال حياته والأمراض التي يمكن أن يتسبب فيها هذا الضيف غير المرغوب فيه الذي يزور بيوتنا دون استئذان، خاصة في الصيف ليحرمنا من النوم بأزيزه وبلسعاته المؤلمة والمزعجة سواء كان المرء جالسا أو نائما، رغم أن هذه الحشرة تبدو خفيفة الوزن ولا يحتمل منها أن تضر الإنسان إلى هذا الحد الذي أصبح مقلقا بالفعل، حيث زاد انتشارها بشكل ملفت. فالبعوض، من أكثر الحشرات التي تتغذى على دم الإنسان انتشارا، ويسبب له المضايقة بلدغاته المتكررة، وينقل إليه العديد من الأمراض منها الملاريا، كما يتغذى البعوض أيضا على دم الحيوانات والطيور. ومن العجب أن أنثى البعوض هي وحدها التي تتغذى على الدم، في حين أن الذكر يتغذى على عصارة النباتات ورحيق الأزهار، ويتميز فم الأنثى بأنه مزود بأجزاء دقيقة تساعد على ثقب الجلد وامتصاص الدم. تعمل وجبة الدم التي تناولتها الأنثى على تكوين البيض، وتضع الأنثى البيض فوق سطح الماء الذي يعتبر أساسيا لفقس البيض، وتعتبر تجمعات مياه الأمطار والبرك، وحمامات السباحة غير المستعملة ومياه الرشح الأرضي وما شابه ذلك، كلها أماكن صالحة لوضع البيض. ويفقس البيض خلال يوم أو يومين و تخرج من كل بيضة يرقة صغيرة لا يزيد طولها عن مليمتر واحد، لها رأس وصدر، و عليها شعيرات تساعدها على العوم في الماء باحثة عن غذائها من الطحالب والكائنات الحية الدقيقة، وتتنفس اليرقة أوكسجين الهواء الجوي عند سطح الماء. إن البعوضة لا تستطيع أن تلسع، وذلك لأنها لا تستطيع فتح فكيها. ولكنها تغرز في جلد فريستها ستة أجزاء تشبه الإبر تسمى القُليمات وهي توجد في وسط الخرطوم، وتُغطِّي الشفة السفلى للبعوض هذه القليمات، وعند غرس القليمات ودخولها في الجلد، تنحني الشفة السُفلى وتنزلق لأعلى مبتعدة عن الطريق، ثم ينساب اللعاب داخل جسم الإنسان، عبر قنوات تكوِّنها القليمات، يمنع اللعاب تجلط الدم، مما يجعل البعوضة تمتصه بسهولة، وأغلبية الناس لديها حساسية ضد لعاب البعوض، ونتيجة لذلك، تنشأ دمامل مثيرة للحك على الجلد تسمى دمامل لسعة البعوض، وعندما تمتص البعوضة كفايتها من الدم، تسحب القليمات ببطء من الجسم، ثم تنزلق الشفة السفلى لتأخذ وضعها السابق فوق القليمات، ثم تطير. الأمراض التي يسببها البعوض وتسبب لدغة البعوضة التهابا في الجلد خاصة عند الأطفال، وتظهر بقعة حمراء حول مكان اللدغة وقد يتورم الجلد نتيجة لذلك، وهناك أنواع من البعوض قد تنقل المرض للإنسان أثناء تغذيتها على الدم، ومن أهم الأمراض التي ينقلها البعوض مرض الملاريا ومرض الفلاريا (داء الفيل) ومرض الحمى الصفراء. ومن المعروف أن أنثى البعوض هي وحدها التي تتغذى على الدم وتنقل الأمراض. البعوض ينتشر بسطيف في السنوات الأخيرة عرف البعوض انتشارا كبيرا بمنطقة سطيف في المدة الأخيرة وبالضبط منذ مالا يقل عن 5 سنوات، حيث كان نادر الوجود خاصة في بعض مناطق الولاية وبعض أحياء المدينة، وهذا طبعا مقارنة بما هو حاصل في المناطق الساحلية المعروفة بانتشار هذه الحشرة. وهكذا أصبحت الكثير من أحياء المدينة إذا لم نقل كلها تعاني من انتشار البعوض خاصة صيفا وتتفاقم الوضعية أكثر فأكثر في البيوت التي تتوفر على حدائق صغيرة والأحياء التي تتوفر على أشجار بالقرب من العمارات، وكذا بالقرب من الأودية والمستنقعات وأماكن الصرف الصحي التي لم تمتد إليها أيدي الصيانة وتغطيتها أن كانت غير مغطاة، كما يرجع معظم من تحدثنا إليهم حول الموضوع أسباب هذا الانتشار في ولاية تابعة للهضاب إلى نقص واضح في نظافة المحيط، وهذا ما يمكن ملاحظته بوضوح في مدينة سطيف التي فقدت الكثير من نظافتها خاصة وسط المدينة وبالقرب من الأسواق الشعبية وخاصة سوق لندريولي الشعبي وسط المدينة. ويشتكي السكان من انتشار البعوض في غياب تام لمصالح البلدية المكلفة بالنظافة والوقاية غن مواجهة الوضع من خلال عمليات إطلاق دخان مقاوم ومبيد للحشرة، والتي تعهدت بالمناسبة هذه المصالح بالشروع فيها قريبا في بعض الأحياء المتضررة على غرار وسط المدينة ويحياوي والمعبودة و600 مسكن على سبيل المثال لا الحصر. وأما هذه الوضعية انتشرت بشكل كبير تجارة شرائح فاز التي تستعمل على آلة كهربائية صغيرة من شأنها التقليل إلى حد كبير من تواجد هذه الحشرة على مستوى الغرفة لليلة واحدة، أو سائل مقاوم بنفس الطريقة تقريبا في قنينات صغيرة تحوي سائلا شفافا تبعد رائحته البعوضة عن المكان “وتستمر لمدة لا تقل عن 15 يوما، غير أن هذا الحل الذي يلجأ إليه الجميع بعد الاستغناء تقريبا على عبوات مبيد وما شابهه، لا يخلو من نقائص وانعكاسات وأثار جانبية لذوي الحساسية تجاة الروائح المنبعثة من الشرائح، وبشكل عام لا يجد الناس بديلا عن التزود بهذه الحلول المتاحة حاليا، ودفعهم هذا الوضع إلى الاستنجاد بالمكيفات الهوائية حتى يتمكنوا من غلق النوافذ وبالتالي عدم السماح لهذه الحشرة بالدخول لبيوتهم، وهو مازاد من المصاريف، ومن لا يملك المكيف الهوائي فإنه يعاني معاناة حقيقية، غير انهم يوجهون لومهم لمصالح البلدية لعدم اتباعها لإجراءات الوقاية بتتبع مرحلة وضع بيوض الحشرة للقضاء عليها في المهد، واجراء الدراسات اللازمة للقضاء على الظاهرة بشكل مطلق أو على الأقل التخفيف منها إلى أقصى حد، لأن الملاحظ أن الظاهرة تتفاقم من سنة إلى أخرى، إضافة طبعا للاهتمام بنظافة الأحياء خاصة من القمامة والمياه القذرة التي أصبح المرء يعاينها حتى في شوارع وسط المدينة وهي العوامل المساعدة بكثرة على انتشار هذه الحشرة، وكذا الذباب الذي يستعد هو الآخر لزيارتنا وتمتد زيارته غير المرغوب فيها إلى نهاية الخريف، وهو كذلك مزعج لحد كبير بلسعاته ونقله للأمراض المختلفة من خلال تنقله بين الأماكن القذرة ثم النزول على الأغذية التي نتناولها. غير أن انعدام النظافة التي يفترض أن سطيف معروفة بها وطنيا، لا يعني فقط انتشار البعوض صيفا وإنما كذلك انتشار الجرذان بشكل لافت طوال السنة، وليس غريبا أن يشاهد المار في الشوارع يوميا جرذان نافقة بعد القضاء عليها ورميها في الشارع، وهي تنتشر في المحلات كما في بعض البيوت خاصة تلك المتواجدة في الأحياء القصديرية والبنايات الهشة وهذا في غياب أية خطة جادة من الجهات المعنية للقضاء على الجرذان التي تشكل خطرا آخر على الصحة العامة للمواطن.