من تذكر أمامه مدينة فرندة جنوبتيارت، فإنه حتما سيقرنها بالعلامة عبد الرحمان ابن خلدون وبمكان تدوينه لكتابه المقدمة،مدينة فرندة المترامية بين عدة هضبات والتي تخيل لزائرها أنها جبال يقال أن إسمها (فرن- ذا) أي إختبئوا هنا والاسم مشتق من الامازيغية ويعني أن المجاهدين الأوائل كانوا يقصدونها للتزود بالمئونة والسلاح حتى في العصور الغابرة، ويعود تأسيسها إلى العهد الروماني كما يشير المؤرخون ودليلهم ما زال حيا والمتمثل في مغارات الاجدار والتي ما زالت شاهدة على ذلك. أما ثقافيا فكلنا شهود على ما كانت تزخر به مدينة فرندة من قلاع ثقافية كانت تجلب إليها الكثير من طلبة العلم والفضوليين، وأتذكر انني حضرت لأول ملتقى للفكر الخلدوني في بداية الثمانينيات والذي أقيم بخيمة جلبت خصيصا من خارج الوطن بقلعة بني سلامة بتاوغزوت وهناك عرفنا الكثير من أعلام الفلسفة وعلم التاريخ والانتروبولوجيا وعلم الجيولوجيا وعلم الفلك والذين جاءوا من عدة دول كسوريا والأردن واسبانيا وفرنسا وتونس والعديد من البلدان الإفريقية، وأتذكر آنذاك أنه تعجب العديد من العلماء ممن حضروا الملتقى والذين كانوا يعودون كل مساء إلى نزل الراموس بقلب مدينة فرندة، كانوا يتعجبون من علماء الفكر والتاريخ لكونهم أسقطوا عدة مرات مدينة فرندة من مسيرة العلامة ابن خلدون والذين باشر كتابة المقدمة بالمغارة المشهورة بتاوغزوت التي تناساها المنتخبون اليوم تنمويا ولا زال سكانها الذين تجاوزوا الألفين نسمة يقاسون مرارة العيش فلا طريق معبد ولا غاز طبيعي دخل إلى بيوتهم ولا تهيئة للأزقة الضيقة ولا متوسطة تأوي أبنائهم لفح الصيف وبرودة الشتاء، وحتى البساتين التي كان يقتات منها سكان مدينة ابن خلدون جفت عيونها وهم يطمعون في التزود بمياه الشرب وفقط وحتى السد الذي برمج أو بالأحرى هو قيد الخدمة شيد بعيد عن مكان البساتين، ونعود إلى فرندة الثقافة، لم يشفع لها قدم تشييدها ولا زيارتها لأكبر العلماء والمتصوفين أمثال الولي الصالح سيدي عمر الذي تقام له وعدة كل خريف والولي الصالح سيدي الناصر بوحركات الذي ما زال جامعه يسمى به وحتى بالحي الموجود فيه، جميع هذه الكرامات لم تشفع لفرندة ولاسيما من طرف أبنائها حتى يحيوا ثقافتها التليدة، فمنذ عشرات السنين لم تقم مهرجانات ولا ملتقيات ولا إحياء لمناسبات تخلد إحدى مآثر رجل من رجال هذه المدينة التي كلما سمع عنها طالب علم إلا وتذكر تضحيات أبنائها سواء في التاريخ القديم أول التاريخ الحديث من خلال الثورة الجزائرية المظفرة حيث كانت إحدى قالع المجاهدين، وتعتبر مدينة فرندة إحدى المدن التي أنجبت المفكر والمستشرق جاك بارك والذي أصبحت ملحقة المكتبة الوطنية تحمل إسمه، غير أن المكتبة لا تقدم أي خدمة ملموسة لطالبي العلم منذ تأسيسها منذ سنوات اللهم إلا تكديس الكتب وتزيين الواجهة فخلال العام الماضي قصدنا المكتبة للإطلاع على بعض الشواهد التاريخية فطلب منا التسجيل على قائمة الانتظار والعودة في يوم أخر حتى ينظر في طلبنا للاستفادة من بطاقة زائر غير أنه لم نستفد من الكتب إلى يومنا هذا، والمضحك أن مدينة فرندة رغم قدمها وحضارتها فإنها لا تتوفر على نزل ينزل فيه زائر أو غريب عن الديار وحتى الحلم الذي طالما نادت به الجمعيات الفاعلة على غرار جمعية بسمة أطفال فرندة والمتمثل في بيت الشباب والذي يحل محل نزل في غالب الأحيان بالمدن الأخرى لكونه يأوي الشباب ولا سيما الناشطين في الحقل الثقافي والرياضي ولا سيما أن فريق فوز فرندة لكرة القدم قد إرتقى إلى قسم ما بين الرابطات وإن زواره من الفرق البعيدة لا تجد مكان تبيت فيه، حتى هذا الحلم تبخر مع مرور السنين، وأصبح القاصدون فرندة ينتقلون مباشرة إلى مغارات ابن خلدون أو الا جدار التي يعود تاريخها إلى العهد الروماني ثم يعودون في يومهم ، وبمناسبة ذكر ابن خلدون فإن مشروعا ما فتئ ينتظره أبناء فرندة والبلديات المجاورة بفرع الصبر والمتمثل في المعهد الخلدوني للدراسات التاريخية والتابع لجامعة ابن خلدون بتيارت قد تم تحويله حسب مثقفي فرندة إلى عاصمة الولاية، وهو المشروع الذي كان يذكر قاطني فرندة بجدهم العلامة عبد الرحمان ابن خلدون.فهل يتذكر المنتخبون في سائر البلديات أن مهمتهم لا تنحصر في الجانب السياسي فقط بل أن الثقافة والعلم هو الوحيدان الكفيلان ببناء مجتمع متماسك ويبقى ما بقيت الأجيال على حسب الدكتور والكاتب أمين الزاوي الذي زار مدينة فرندة حين كان يتولى مدير المكتبة الوطنية حيث يقول في حصته جواهر(أن شعبا يقرألا يجوع ولا يستعبد..) ودورنا كإعلاميين هو نقل أنين جميع شرائح المجتمع الجزائري وليس مشاكل السكن والعمل والبيروقراطية فقط بل أن الثقافة هي أولويتنا لكونها مصدر السلطة والتنمية والعيش بشقيه الرغيد والضنك.