رحيل الفنان احمد بن عيسى يشبه سقوط أخر الاوتاد العتيقة بمسارحنا، رحيل مفجع وموجع كأن الاقدار طوت أخر صفحة من دفتر القامات الفنية التي سبقته، ليكون صاحب الوشاح الأحمر آخر الراحلين خاتما بنهايته الحزينة قائمة الجيل الذهبي لمشهدنا السينمائي والمسرحي. انسحب صاحب الوشاح الأحمر في صمت خافت تاركا خلفه رصيدا ومكتبة فنية متنقلة من الأفلام إلى المسلسلات فالعروض المسرحية، وبالرغم من معاناة المرض فضل «بان» الظهور البطولي، حتى لا يشعر غيره بجرحه الطفولي الذي لاحقه منذ عقدين من الزمن متسببا له الكثير من الصدمات والمتاعب. «بان» الممثل، ليس هو نفسه المخرج، وليس تماما ذلك الإنسان الذي قد ترسم له في المخيلة نموذجا - مفارقات ثلاث - اجتمعت في شخصه فعندما يتحدث كمخرج فإنه لا يجامل في النص، ويحرص على ضبط الاشياء في سياقاتها الفنية التي يراها، كناقد متمرس لا يداهن فيها مهما كان الشخص الذي أمامه. كتبت الأقدار لبن عيسى عمرا جديدا إبان العشرية الحمراء، ليفلت من قناصة الاغتيالات التي أسقطت رفيقيه عزالدين مجوبي وعبد القادر علولة، وافلت منها حين داهمه المرض، لينهض من غفوة الداء متجولا بين الاخراج والكتابة والتمثيل، فكان مثالا في القيم الجمالية والمقاوم للتحديات، لم يتغير قيد أنملة فظل وفيا لتاريخه الفني من زمن الأبيض والأسود إلى غاية رحيله بمدينة كان الفرنسية، حيث كنا ننتظر جديده من هناك، لكن الموت سرقه على حين غفلة، خاتما بذلك قائمة الراحلين من ابناء جيله، صونيا، رماس، تاجير، حزيم، وغيرهم.. سنفتقدك وتفتقدك السينما والمسرح والتلفزيون، نفتقد بحة صوتك وحضورك الاسطوري، ونظرات عينيك الحادتين.. وداعا «بان» وداعا «صاحب الوشاح الأحمر».