ترأس رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس الاثنين بالجزائر العاصمة اجتماعا لمجلس الوزراء وأصدر اثر هذا الاجتماع بيانا فيما يلي نصه الكامل: ''ترأس فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس الاثنين 05 ذي القعدة 1429 ه الموافق 03 نوفمبر 2008 م اجتماعا لمجلس الوزراء. وخلال هذا الاجتماع تناول مجلس الوزراء بالدراسة والموافقة مشروع قانون يتضمن تعديل الدستور. يتضمن مشروع تعديل الدستور الذي بادر به رئيس الدولة طبقا للصلاحيات التي يخوله اياها الدستور وللإجراءات المحددة فيه خمسة مواضيع. في المقام الأول: جاء موضوع حماية رموز ثورة نوفمبر المجيدة التي هي رموز الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. تحقيقا لذلك، ستنص المادة 5 من الدستور على أن العلم الوطني والنشيد الوطني من مكاسب ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة وعلى أنهما غير قابلين للتغيير. ونفس هذه المادة ستنص على مواصفات العلم الوطني ومضمون النشيد الوطني ''قسما'' بتمام مقاطعه. والغاية من هذا التعديل هي تعزيز جانب رموز الدولة التي هي رصيد تتقاسمه الأجيال ولا يحق، بحكم ذلك، لأي كان إدخال التغيير عليه أو تسخيره وفق أهوائه أو التشكيك فيه. في المقام الثاني: جاء موضوع ترقية كتابة التاريخ وتدريسه. تنص المادة 62 من الدستور، من بين ما تنص عليه، على أن الدولة تضمن احترام رموز الثورة، وذكر الشهداء، وكرامة ذوي الحقوق، والمجاهدين. والمقترح هو اثراء هذه المادة بإضافة الدور الموكل للدولة في مجال ترقية كتابة التاريخ وتدريسه للناشئة. بالفعل، إن التاريخ هو الذاكرة والرصيد المشتركين بين جميع الجزائريين. فلا يجوز لأي كان أن يستأثر به أو يسخره لمآرب سياسية، وبالتالي، فان الدولة هي التي تتولى ترقية كتابة هذا التاريخ وتدريسه والتعريف به. هذا، ومن شأن تدريس التاريخ للأجيال الفتية أن يكفل الحفاظ على الذاكرة الجماعية وان يوفر لهذه الأجيال المعالم ذات الصلة بإنتمائها الحضاري التي تتيح لها أن تقدر حق قدرها عراقة تاريخها الوطني وعظمة مسيرة التشييد الوطني التي خاضها أسلافها. في المقام الثالث: جاء موضوع ترقية الحقوق السياسية للمرأة. تم اقتراح مادة جديدة، 29 مكرر، تنص على أن الدولة تعمل على ترقية الحقوق السياسية للمرأة من خلال مضاعفة حظوظها في النيابة ضمن المجالس المنتخبة. إن هذا الإجراء الدستوري الجديد، الذي ستحدد بقانون عضوي كيفيات تطبيقه، إنما هو إعتراف بتضحيات المرأة الجزائرية إبان المقاومة الوطنية ثم الثورة المسلحة وبمساهمتها في مسيرة التشييد الوطني والشجاعة المشهودة التي تحلت بها أثناء المأساة الوطنية الأليمة. إن نجاح مسار تحديث البلاد الذي انطلق منذ 1999 يقتضي اليوم أكثر من أي وقت مضى تمثيلا أوسع للنساء ومشاركة أوفى لهن في المجالس المنتخبة. وهو ما يملي على الفاعلين السياسيين اللجوء إلى توعية مكثفة ومستمرة. وإن دسترة الحقوق السياسية الجديدة لفائدة المرأة الجزائرية تنصب في هذا الإتجاه بالذات. في المقام الرابع: جاء موضوع تكريس حق الشعب في أن يختار قادته بكل سيادة وحرية. ومن هذا الباب، يبقي التعديل المقترح إدخاله على المادة 74 على الخمس سنوات مدة للعهدة الرئاسية ويسوغ لرئيس الجمهورية أن يعاد انتخابه. فما من نظام ديمقراطي في العالم إلا و يكرس حيازة الشعب، وحده للسيادة التي يمارسها من خلال المؤسسات التي يرتضيها لنفسه. وكل نظام ديمقراطي يقر للشعب، وحده، حق اختيار قادته من خلال انتخابات تعددية وحرة وشفافة. من ثمة، ينبثق التناوب الحق على السلطة من الإختيار الحر للشعب بذاته حين يستشار بكل ديمقراطية وشفافية من خلال إنتخابات حرة وتعددية. ذلكم هو المغزى والمرام من تعديل المادة 74 من الدستور، المبتغى منه تمكين السيادة الشعبية من التعبير عن نفسها بحرية تامة غير منقوصة. في المقام الخامس: جاء موضوع اعادة تنظيم العلاقات بين مكونات السلطة التنفيذية وتحديدها وضبطها وتوضيحها، دون المساس بالتوازن بين السلطات. إن هذا البعد من مشروع تعديل الدستور ينعكس من خلال أحكام عدة. ولذا جاء على الخصوص توضيح أن: 1 يتولى رئيس الجمهورية تعيين الوزير الأول وإنهاء مهامه. له كذلك أن يعين نائبا أو أكثر للوزير الأول لمساعدة الوزير الأول في ممارسة مهامه وهو الذي ينهي مهامهم (المادة 77). 2 يقوم الوزير الأول بتطبيق برنامج رئيس الجمهورية ولأجله ينسق عمل الحكومة التي يقوم باختيارها. ولهذا الغرض يحدد برنامج عمله ويعرضه على مجلس الوزراء (المادة 79). 3 يعرض الوزير الأول برنامج عمله على موافقة المجلس الشعبي الوطني. عند الإقتضاء، يجوز له أن يكيفه بالتشاور مع رئيس الجمهورية على ضوء ما جاء في نقاشه. وفي حالة عدم الموافقة على برنامج عمله من قبل المجلس الشعبي الوطني، يقدم الوزير الأول استقالة حكومته لرئيس الجمهورية (المادتان 80 و81). 4 يقدم الوزير الأول على مجلس الأمة عرضا حول برنامج عمله كما جاءت موافقة المجلس الشعبي الوطني عليه (المادة 80). على هذا النحو، ستضفي جملة التعديلات المتعلقة بالتنظيم الداخلي للسلطة التنفيذية مزيدا من الوضوح على مهمة الحكومة المتمثلة في تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية وهو البرنامج الذي يكون قد حظي بأغلبية أصوات الشعب خلال الإقتراع المباشر. إن التعديلات هذه تبقي، في الان نفسه، بتمامها وكمالها، على سلطة مراقبة البرلمان للحكومة في إطار تنفيذ برنامج عملها. فعمل الحكومة سيبقى، بالفعل، خاضعا كذلك لمراقبة المجلس الشعبي الوطني، لا سيما، بمناسبة العرض السنوي لبيان السياسة العامة للحكومة. ختاما، ستزيد التحويرات الداخلية التي ستضفى على السلطة التنفيذية هذه الأخيرة تماسكا وستعزز قدرة الحكومة على تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، ومن ثمة على تجسيد التنمية الوطنية في مختلف المجالات. واذ تدخل معقبا اثر نهاية دراسة مشروع القانون المتعلق بالتعديل الدستوري، أبى رئيس الجمهورية إلا أن يكرر بقصد التأكيد على الملاحظات التي أبداها بشأن هذه المسألة في الخطاب الذي القاه يوم 29 أكتوبر المنصرم بمناسبة افتتاح السنة القضائية. أدلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قائلا »إن الأمة لشاهدة على أنني ما فتئت، منذ ,1999 أعرب عن قناعتي بضرورة عرض مراجعة عميقة للدستور مباشرة على الشعب، عن طريق الاستفتاء، مراجعة تجعله يساير التطورات التي شهدتها بلادنا ويتكيف على الخصوص مع واقع التحديات المعاصرة التي تواجهها. وما زلت مقيما على تلك القناعة«. وأشار رئيس الدولة إلى أن »الدساتير التي ارتضاها شعبنا لنفسه بكل سيادة منذ أن استعاد استقلاله قد توخت، كل مرة، أول ما توخت، تنظيم الدولة تنظيما يوافق رهانات المرحلة والشوط الذي بلغته بلادنا في بناء نظامها الديمقراطي، غداة الكفاح الطويل الذي خاضته في سبيل اعادة بناء الدولة الجزائرية المستقلة والجهود الكثيفة التي بذلت في سبيل إرساء أسس البناء الوطني وأقرب منا، على ضوء الدروس المستخلصة من المأساة الوطنية الاليمة«. واستطرد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قائلا : »بفضل الله، وبفضل شجاعة الشعب الجزائري الأبي وتبصره المشهود، جددت الجزائر عهدها بالسلم وتحقق لها استئناف تنميتها الاقتصادية والاجتماعية بكيفية حثيثة مطردة. إلا أنه يتعين عليها، مع ذلك، رفع تحديات جسام من بينها استكمال مسعى المصالحة الوطنية النبيل وتحرير شعبها تحريرا حقا من براثن التخلف، الأمر الذي يقتضي إتمام بناء دولة الحق والقانون الراسخة الأركان وبسط ازدهار اقتصادي مستدام قوامه موصول النمو وتنوع الثروات. كما يتعين على الجزائر أن تفتك المكانة اللائقة بها في عالم اليوم، الذي تعتوره عولمة وتنافس لا يكثرث فيهما للضعفاء. إنها، من ثمة، بحاجة ماسة الى استجماع كل طاقاتها، بما فيها طاقات الجزائريات اللائي ابلين البلاء الحسن في كافة الميادين وفي أحلك الأوقات. كما يتعين عليها تزويد أجيالها الصاعدة بكافة الموارد القمينة بتمكينها من التوصل مع سائر العالم، مع الحفاظ على هويتها وشخصيتها وجزائريتها وتاكيدها«. واضاف رئيس الجمهورية : »تلكم هي الأهداف التي حرصت بكل اصرار على تجسيدها منذ أن طوقتني الأمة بثقتها لأول مرة، قبل ما يقارب العشر سنوات. إن أشواطا هامة قد تم قطعها نحو تحقيق هذه الإهداف. من ثمة، ورغبة مني في تكريس هذه المكاسب واستجماع الشروط المطلوبة لتاكيدها اكثر، قررت مباشرة هذا التعديل الدستوري الجزئي عن طريق البرلمان، وفقا لأحكام الدستور ذاته«. واختتم الرئيس بوتفليقة تدخله قائلا : »إن الديمقراطية التعددية مكسب حققته بلادنا ونحن ملزمون بالسهر سويا على الحفاظ عليه وترقيته. إنني، شخصيا، حريص على ذلك كل الحرص، انطلاقا من قناعاتي، وإنما كذلك من المسؤوليات التي اتولاها بحكم ما ولاني الشعب عليه. يتعين علينا، إذن، السعي في هذا الإتجاه في عملنا اليومي، وكذا من خلال تعزيز الشروط القمينة بتحقيق الديمومة لهذا الاختيار وترجمته على الوجه الأوفى في حياتنا الوطنية، ويتعين علينا أيضا أن نجعل من المكسب الديمقراطي ومن نجاعة الدولة أداتين في خدمة التنمية الوطنية وتطلعات شعبنا. وختم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قائلا: »منتهى أملي هو أن يتفهم سائر الجزائريين والجزائريات مع ما يتاح لكل منهم من تعددية مشروعة في الاختيارات والآراء السياسية، المغزى الصحيح والرهانات الحقة لهذا التعديل الدستوري الجزئي الذي سأعرضه على البرلمان، بعد اصدار المجلس السدتوري رأيه المعلل فيه«.