زغلامي: مجلس أخلاقيات المهنة مرهون بنقابة جامعة التزاما بأحد التزاماته ال54 الذي ينص على «تحقيق حرية الصحافة وتعدديتها واستقلالها وضمان احترام قواعد الاحترافية وأخلاقيات المهنة، وجعلها عمادا للممارسة الديمقراطية وحمايتها من جميع أشكال الانحراف»، وضع رئيس الجمهورية منذ توليه مهامه في 2019 خارطة طريق تكييف وتعديل القانون العضوي للإعلام، ليكون أحد أهم القوانين المزمع مناقشتها في الدورة البرلمانية 2022/2023 ، حيث قدّم مجلس الحكومة الأخير مشروعا تمهيديا لقانون يتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية، يندرج في إطار تجسيد توجيهات رئيس الجمهورية التي أسداها خلال اجتماع مجلس الوزراء، بحر الأسبوع الماضي. شدّد رئيس الجمهورية على دور المجلس الأعلى للصحافة في ضبط المفاهيم وتحديد الفئات المهنية لقطاع الإعلام، وكذا التفريق بين الإخلال بالأخلاقيات المهنية وما هو جزائي، مُسديا أوامر باستحداث مجلس أعلى لأخلاقيات المهنة، يكون البت في القضايا ذات الطابع المهني أحد صلاحياته في كل التخصصات الإعلامية، بالإضافة الى توطين القنوات التلفزيونية ذات المضمون الجزائري قبل نهاية السنة الجارية، بالتنسيق طبعا مع مؤسسة البث الإذاعي والتلفزيوني، لمكافحة التهريب المقنّع للعملة، وكذا ضرورة مراعاة حمل الجنسية الجزائرية والتجربة المهنية، عند استحداث مؤسسات خدمات السمعي البصري. وجاء القانون العضوي للإعلام الجديد من أجل سد النقائص الموجودة في قانون الإعلام 12-05، خاصة فيما يتعلق بعدم استجابته وتكييفه مع كل التطورات الحاصلة في المشهد الإعلامي، وكذا لمواكبة مضامين الدستور الجديد الذي يكرّس حرية التعبير، حيث تنص المادة ال 54 منه على أن «حرية الصحافة، المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية مضمونة، وعلى حق الصحفي في الوصول إلى مصادر المعلومات في إطار احترام القانون. بالإضافة الى الحق في حماية استقلالية الصحفي والسرّ المهني، والحق في نشر الأخبار والأفكار والصور والآراء في إطار القانون، واحترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية، كما منعت استعمال حرية الصحافة للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم، وحظر نشر خطاب التمييز والكراهية، الى جانب عدم خضوع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية. وعليه يعتبر الهدف الأسمى للقانون العضوي للإعلام المنتظر، «مساعدة الصحفي، سواء في الصحافة المكتوبة أو السمعي-البصري أو الصحافة الإلكترونية، على أن يكون أكثر احترافية، فضلا عن تحسين شروط وضعه في عمله، وكذا مواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة»، لذلك أوصى رئيس الجمهورية بتأسيس «مجلسا للصحافة» يتكون من «خبراء وإعلاميين ذوي خبرة عالية»، ستنبثق عنه عدة لجان منها «لجنة آداب وأخلاقيات المهنة لتنظيم المهنة ولجنة بطاقة الصحفي المحترف لتطهير القطاع من الدخلاء». ومن أجل استرجاع ثقة المواطن في دولته من خلال حرص مهنيي الصحافة على الأداء الإعلامي الحر والمسؤول بنشر المعلومات الصحيحة، بعيدا عن الإشاعات والمغالطات، ولتحقيق ممارسة إعلامية ذات مصداقية بإرساء دعائم إعلام نزيه، مسؤول وحر، بادرت الجزائر الى فتح 10 ورشات عمل منذ 2020 لتهيئة مشروع القانون العضوي الجديد يتعلق بثلاثة محاور أساسية تخص تنظيم الصحافة المكتوبة والإلكترونية، ومجال السمعي البصري الى جانب الإشهار ومجالات أخرى من أجل بناء أرضية تشريعية حقيقية لممارسة إعلامية احترافية، موضوعية وذات مصداقية. وتعتبر الحرية والمسؤولية في الممارسة الإعلامية من أجل تكريس إعلام حر ومسؤول من أبرزها، بالإضافة إلى ضمان الحق في الإعلام في إطار تعددي، تسريع الانتقال النهائي نحو اتصال رقمي وتفعيل الاتصال المؤسساتي وتوسيع شبكة الإعلام الجواري من أجل تدعيم الديمقراطية التشاركية، الى جانب ترقية التكوين والتأهيل وتحسين صورة الجزائر في الخارج، إضافة إلى ضبط نشاط استطلاع الرأي ومساعدة الجرائد الأسبوعية والنشريات المتخصصة التي تواجه صعوبات مالية كبيرة. كما تم في وقت سابق في 2020 إصدار مرسوم تنفيذي يتعلق بتنظيم ممارسة الإعلام على الانترنت بغية تنظيم الفضاء الاتصالي الالكتروني الذي يعتبر من أهم حصون الأمن السيبراني الوطني. إقلاع حقيقي في اتصال مع «الشعب»، قال أستاذ الإعلام والاتصال البروفيسور العيد زغلامي، إن مشروع القانون العضوي للإعلام يأتي بعد 10 سنوات من القانون العضوي للإعلام 2012، لذلك المرتقب مواكبته التطور الذي تعرفه الجزائر داخليا وخارجيا، خاصة على الساحة السياسية، كان من أبرزها دستور 2020 الذي كرّس حرية التعبير بمبادئ ومعطيات جديدة في المادة 54 منه حيث تنص على دسترة حرية التعبير، وبعبارة أخرى يرتقب أن يجسد مفهوم حرية التعبير بجميع أشكالها وأنماطها على أرض الميدان. إلى جانب مواكبته للتطور التكنولوجي الحاصل بإدماج الإعلام الإلكتروني والرقمي، وكذا الأخذ بعين الاعتبار التوجهات الجديدة للجزائر إقليميا ودوليا، ينتظر من هذا القانون تكريس مفهوم الخدمة العمومية وقيمها النبيلة، بل أكثر من ذلك تكريس الاحترافية والمهنية. وبالإضافة الى ما ينتظره مهنيو القطاع من هذا القانون العضوي في ممارسة عملهم الإعلامي، واهتمامه بالجانب الاجتماعي للإعلاميين والمعنوي، ينتظر المواطن منه إعلاما نزيها وشفافا، في تواصل مستمر يعبر عن انشغالاته واهتماماته. ومن المرتقب أيضا أن يجسد الإعلام الحقيقي المواكب للتطورات ويكون قادرا على المنافسة، خاصة في زمن العالم المفتوح وشبكات التواصل الاجتماعي التي يصعب من خلالها التفريق بين الأخبار الحقيقية والأخبار المزيفة. مُقاربة شاملة أما عن أبرز ورشات إصلاح القانون العضوي للإعلام منذ 2012، يرى البروفيسور أن قطاع الإشهار من أهمها، بالإضافة إلى ورشة الصحافة الورقية والالكترونية، وكذا ضرورة الامتثال إلى قواعد الخدمة العمومية، إلى جانب السمعي البصري، خاصة ما تعلق بإنشاء القنوات التلفزيونية وكيفية الامتثال للمبادئ والقيم الوطنية. في ذات السياق، يُنتظر، بحسب المتحدث انبثاق قوانين تفصيلية خاصة بالصحافة الورقية والالكترونية والسمعي البصري، الإشهار وسبر الآراء، وغير ذلك من الميادين الضرورية، ولما لا ورشة حول مصير ومستقبل ومكانة ودور شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الاجتماعية أو ما يسمى بصحافة المواطنة، لأنها خطوة مهمة جدا، فالمجتمع الجزائري الآن تطغى عليه صحافة المواطنة أو الشبكات الاجتماعية، لذلك من الضروري إعادة المقاربة إلى نصابها ويستعيد الإعلام ميدانه وتواجده. أخلاقيات المهنة أما فيما يتعلق بمجلس أخلاقيات المهنة، ذكّر انه كان موجودا في وقت مضى ليتم حله بعد ذلك، مؤكدا أن قطاع الإعلام في حاجة ماسة إلى القانون العضوي للإعلام مع تحصينه بسلطات سواء بسلطة الضبط السمعي البصري أو باستحداث سلطة الصحافة المكتوبة، أو بإنشاء مجلس أعلى للصحافة، ولما لا مجلس يهتم بكل ما يتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي بسبب الاختراقات والتلاعبات الكبيرة في الفضاء السيبراني. وعرف مجلس أخلاقيات المهنة بهيئة تكون مستقلة عن التيارات السياسية وأصحاب المال، وحتى عن السلطات ليستطيع أعضاؤه القيام بعملهم من خلال تأدية دور الحكم، ولا يمكن تجسيد أخلاقيات المهنة -بحسبه- ومهنيي القطاع يفتقرون إلى تمثيل نقابي قوّي، واعتبر غيابه بمثابة «أمر غير معقول»، فلا يمكن إنشاء مجلس أخلاقيات المهنة إذا كان الصحفيين أنفسهم غير مهيكلين في نقابة ذات طابع مهني، اجتماعي، ومعنوي، لا بد من وجود نقابات قوّية بعيدا عن الانتماء السياسي والإيديولوجي الذي يسيء إلى النقابات، لا بد من تجمع كل الصحفيين تحت لواء نقابة واحدة قوية وتمثيلية تهتم بمشاكلهم الاجتماعية والمعنوية والمهنية، لذلك تكريس مجلس أخلاقيات المهنة مرتبط بوجود نقابة قوّية. المكتوبة باقية.. عن مصير الصحافة المكتوبة في ظل ثورة تكنولوجية أكد عدم وجود خلل، فقد قيل الكثير عن قضاء الصحافة الالكترونية أو الرقمية على الصحافة المكتوبة، خاصة مع بقاء من يحبون قراءة الصحف الورقية والاطلاع على أخبارها. ومن هنا لا تكمن القضية في الوسيلة سواء كانت إلكترونية أو مكتوبة، بل في المحتوى والمضمون، فكلما كانت هادفة وذات أهمية تملك مزيدا من الاحترافية والمهنية، فالقارئ أو المستخدم أو المشاهد أو المستعمل أو المستهلك ما يهمه في نهاية المطاف أن تصله الأخبار النزيهة في حينها، تكون مرآة لانشغالاته واهتماماته وتساؤلاته. في الوقت نفسه على الصحافة المكتوبة أن تتأقلم بتوظيفها للتكنولوجيا الرقمية لترفع من احترافيتها ومهنيتها، ولكن في جميع الحالات لا يمكن الاستغناء عن الصحافة الورقية خاصة إذا كانت تقدم منتوجا ومضمونا هادفا بكل موضوعية ومهنية. وعلى عاتق الإعلام في الجزائر بمختلف أنواعه ورقي، سمعي بصري، رقمي وإلكتروني تحسين مضمونه، ليخوض في إعلام حقيقي هو إعلام المواطن بطريقة مهنية، فهو ينتظر من إعلامه وصحافته الامتثال لقيم الخدمة العمومية النبيلة، إعلام نزيه يجيب حصريا عن تساؤلات وانشغالات وتخوّفات المواطنين، ما يسمح بمواجهة كل الشائعات والمغالطات التي تنشر هنا وهناك. وعلى الصحفي المحترف أن يكون متشبعا بمفهوم الخدمة العمومية، وفي نفس الوقت، ومن حقه الحصول على المعلومة ومصدرها، ليتمكن من الإجابة على انشغالات المواطنين.