أدخلني الفنان والملحن القدير مصطفى سحنون في حيرة و أنا أسرد معه مسيرته الفنية، فأدركت حينها أن هذا العملاق الكبير همش بالرغم المسار الحافل من البطولات التاريخية في مجال الكفاح واللحن والكلمة الصادقة المعبرة، وتساءلت في قرارة نفسي لماذا هذا التقصير في حق هذا الفنان الكبير الذي خدم الثورة التحريرية وكانت كلماته وألحانه تحدث دويا قويا في وجه المستعمر المتغطرس. تحدث الفنان و الملحن القدير مصطفى سحنون عن ماضي الأغنية الجزائرية منها خاصة الأغنية الثورية وما كانت تحدثه من صدى وتجاوب من قبل الشعب، كان ضمن الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني في تونس. تربى على الفن الأصيل “الشيخة طيطمة وفضيلة دزيرية" زرعت فيه عشق الفن الجزائري الأصيل فأحب الفن وتفوق فيه وجهته الفنية كانت بالدرجة الأولى نحو التلحين والعزف. تحدث عن مراحل تطور الأغنية الجزائرية خاصة الحماسية منها والثورية فكان هذا اللقاء الذي جمع “الشعب" مع صاحب الأنامل الساحرة العازف مصطفى سحنون. * الشعب: هل لكم أن تحدثوننا عن نشأتكم الفنية؟ ❊❊ مصطفى سحنون: نشأت وسط أسرة محافظة على الدين والقيم في الحي العتيق العقيبة “بلكور"، حرص والدي على تعليمي، كما كانت والدتي عاشقة للفن الأصيل “فضيلة دزيرية وطيطمة" فزرعت في روح اللحن الشجي والكلمة النقية المعبرة فأحببت الفن بدوري، تخليت مُكرها عن العلم، وهذا ما دفعني للتفكير في طريقة أرد بها اعتباري وأذل بها من ذلني، وهو المستعمر الفرنسي الغاشم فكانت بدايتي الكشافة الإسلامية، حيث انخرطت ضمن صفوف فوج الأمير خالد وطبعا كنا نردد باستمرار الأناشيد الوطنية الحماسية كأغنية “موطني" و«عليك مني السلام" وغيرهما ليأتي يوم أجد فيه نفسي عازفا على البيانو لجنيريك حصة أطفال “مسرح الغد" ذهبت إلى هناك وأنا عازف عن التمثيل فوجدتني وبطلب من الفنان الفكاهي جعفر باك عازفا فكان العزف قدري.. * وهل لكم أن تحدثوننا عن الفرق الموسيقية التي شاركتم في تكوينها؟ ❊❊ كونت فرقة الوردة البيضاء بفضل جهود نخبة من الموسيقيين منهم: محمد مختاري على الكمان، محمد مكركب عازف على القانون، روابي يوسف عازف على الكلازنات ومصطفى سحنون عازف على البيانو والأكورديون. جاءت الفكرة بعد اجتماعات مكثفة في مقهى الزهرة بالعاصمة وتخصصت الفرقة في عزف الأغاني الطربية لمحمد عبد الوهاب وفريد واسمهان مما أكسبها شهرة وشعبية واسعة كان الناس وقتها مولعين بالفن الشرقي، وقامت الفرقة بعدة جولات رفقة مطربيها منهم: محمد العماري محمد سليم، محمود عزيز أخ المرحوم عبد الرحمان عزيز وخضير منصور.. * وكيف وظفتم الأغنية في خدمة الثورة ورد الاعتبار للشعب الجزائري من خلال الرسالة النبيلة التي يحملها الفن؟ ❊❊ فرنسا لم ترحمنا وأنا بدوري نلت قسطا كبيرا من تعذيبها لي إذ سجنت بدل أخي بوعلام كان ذلك بعد قتلها للشهيد نصيرة نونو وهو من العائلة بيومين فذقت أنواعا من العذاب في فيلا الأبيار وفيلا سيزيني (بلكور) بالكهرباء والماء كانت وضعية لا إنسانية ووحشية بل في منتهى الوحشية.. وبعدها أطلق سراحي بالخطأ فحذرتني الجبهة من البقاء، لأن فرنسا كانت ستقتلني حتما وهذا ما اضطرني للسفر إلى فرنسا سرا أنا وبوعلام منصور في صندوق بمؤخرة الباخرة وهناك واصلت نضالي بالكلمة واللحن والفن بإشراف الفنان الكبير والمغني (عمراوي ميسوم) ومعه فريد علي، هذا الأخير الذي كان مسؤولا في التلفزة الفرنسية ويخدم جبهة التحرير، جاءنا الأمر من الجبهة بتكوين فرقة فنية موسيقية تكون الناطق الرسمي لها لأجل تحرير الجزائر (بتونس) ومن هنا جاءت الفرصة للانتقام من وحشية فرنسا وجبروتها عن طريق إنتاج غزير للأغاني الحماسية والأناشيد الوطنية. أول أغنية كانت “قلبي يا بلادي لا ينساك" من كلمات المناضل مصطفى التومي وتلحيني وغناء الطفل الهادي رجب ابن 13 سنة آنذاك، وأغنية “القصبة عليك أنغني" و«دعاء المهاجر" وأغنية باللهجة القبائلية لفريد علي: “أيما أعزيزن". وكم تهكمنا على فرنسا ومن تصريحات قاداتها فكانت أغنية جعفر باك كرد فعل على ما قاله (ديغول) فيما يتعلق بندائه للسلم ونسيان سنوات القتل والتعذيب ووقف الكفاح وإليه وجهت هذه الكلمات: يا ديغول بَرك ما تنبح شي معقول منحطوش السلاح الحرب أيطوّل هذا وين حلا الكفاح.. وردا على ديغول دائما عندما زعم أن فرنسا أعطتنا الحرية جاءت هذه الأغنية من كلمات جعفر باك: تحت عنوان: أديناها... الحرية لا تعطى، بل تؤخذ، أديناها... * وهل لنا أن نتعرف على الأسماء الفنية التي تعاملت معها فنيا؟ الحقيقة أن القائمة طويلة من المطربين الجزائريين منهم الهادي رجب، المرحوم محمد راشدي، الغازي المرحوم سامي الجزائري، أغنية (هي هي) و''قريت الحب في عينيك''، المطربة سلوى، نورة، ثورية المرحومة نادية قرباج والمرحومة صليحة الصغيرة، وغيرهم، ومن الفنانين العرب لحنت لعلية التونسية (حيو الجزائر)... وللمطرب المصري كريم محمود الجزائر أرض الحرية، ولمحمد قنديل (هيا يا أخي هيا) وللمطربة فايزة كامل نشيد الجمهورية وكلها أغان مسجلة في الإذاعتين التونسية والمصرية وفي صوت العرب من القاهرة... * ماهي الكلمة الأخيرة التي توجهونها لقراء “الشعب" ونحن نحتفل بالذكرى ال58 لاندلاع ثورة التحرير؟ الفخر والاعتزاز بجزائريتي والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.