عالجنا في مقال سابق الإطار القانوني لجامع الجزائر وملحقاته المتعدّدة والمتمثلة في مؤسسة تسيير جامع الجزائر، والمجلس العلمي، والمدرسة الوطنية العليا للعلوم الإسلامية (دار القرآن)، ومركز البحث في العلوم الدينية وحوار الحضارات، ومكتبة جامع الجزائر، ومتحف الحضارة الإسلامية في الجزائر، وفضاء المسجد بجامع الجزائر. كما تطرّقنا في مقال آخر إلى الإطار الدستوري والقانوني لحرية ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين في الجزائر. نحاول عبر هذا المقال دراسة الجانب الدستوري والتشريعي والتنظيمي لمؤسسة المسجد التي عرفت مشاكل جمّة مع التعدّدية السياسية وظهور الأحزاب الإسلامية التي حاولت الاستحواذ عليها لتمرير خطاباتها السياسية والانتخابية وهو ما دفع السلطة إلى التدخّل قصد تقنين مؤسسة المسجد وإبعادها عن كل استغلال سياسي وحزبي. بداية نشير أنّ دستور 2020، يعتبر أول دستور جزائري يمنع استغلال دور العبادة مهما كانت، من الاستغلال السياسي والحزبي حيث جاء في المادة 51 الفقرة الثالثة: «تضمن الدولة حماية أماكن العبادة من أي تأثير سياسي أو إيديولوجي». ويعود تاريخيا هذا المنع إلى قوانين الانتخابات التي ظهرت بعد دستور 1989 الذي كرّس التعدّدية السياسية. 1 - قوانين الانتخابات ومنع استعمال أماكن العبادة لأغراض الدعاية الانتخابية نشير أنّ أول قانون الانتخابات ظهر في ظلّ دستور 1989 هو القانون رقم 89-13 المؤرخ في 7 أوت 1989 (ج.ر عدد 32)، والذي به تمّ تنظيم الانتخابات المحلية المجراة في 12 جوان 1990. تعرّض هذا القانون إلى تعديل عشية الانتخابات التشريعية المقرّر إجراؤها في جوان 1991 الملغاة بسبب إضراب الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وقد تمّ تعديله بمقتضى القانون رقم 91-06 المؤرخ في 2 أبريل 1991 الذي أدخل حكما جديدا يخص دور العبادة، حيث جاء في المادة 130 مكرّر على أنه: «يُمنع استعمال أماكن العبادة ومؤسسات التعليم الأساسي والثانوي لأغراض الدعاية الانتخابية بأي شكل من الأشكال». نشير أن هذا القانون تمّ إلغاؤه بمقتضى الأمر رقم 97-07 المؤرخ في 6 مارس 1997، يتضمّن القانون العضوي المتعلق بالانتخابات، ج.ر عدد 12 سنة 1997، وقد جدّد هذا الأمر الأحكام الخاصة بمنع دور العبادة لأغراض الدعاية الانتخابية في المادة 180. كما تمّ إلغاء هذا الأمر بدوره بمقتضى القانون العضوي رقم 12-01 المؤرخ في 14 يناير 2012، ج.ر عدد 1 سنة 2012، الذي أعاد هو الآخر الأحكام المتعلقة بمنع دور العبادة لأغراض الدعاية الانتخابية وذلك في المادة 197. أدّى عدم استقرار القوانين إلى إلغاء هذا القانون بموجب القانون العضوي رقم 16-10 المؤرخ في 25 أوت 2016، ج.ر عدد 50 سنة 2016، أعاد كذلك الأحكام الخاصة بمنع دور العبادة لأغراض الدعاية الانتخابية وذلك في المادة 184. أخيرا، حافظ الأمر رقم 21-01 المؤرخ في 10 مارس 2021، ج.ر عدد 17، في المادة 84، على نفس الأحكام المتعلقة بمنع استعمال أماكن العبادة لأغراض الدعاية الانتخابية. 2 - المرسوم التنفيذي المتعلّق ببناء المسجد وتنظيمه وتسييره وتحديد وظيفته يتعلّق الأمر بالمرسوم التنفيذي رقم 91-81 المؤرخ في 23 مارس 1991 (ج.ر عدد 16)، يتعلق ببناء المسجد وتنظيمه وتسييره وتحديد وظيفته، وقد جاء هذا النص لتعويض المرسوم رقم 88-50 المؤرخ في 13 مارس 1988 يتعلق ببناء المساجد وتنظيمها وتسييرها. ويعتبر هذا المرسوم التنفيذي النص الأساس في تسيير المساجد، وقد جاء فيه: «المسجد بيت الله يجتمع فيه المسلمون لأداء صلاتهم وتلاوة القرآن الكريم والاستماع إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، ولا يؤول أمر المسجد إلى فرد أو جماعة أو جمعية وإنما أمره إلى الدولة المكلفة شرعا والمسؤولة عن حرمته وقداسته واستقلاليته في أداء رسالته الروحية والتعبدية والتعليمية والتربوية والثقافية والاجتماعية». كما يؤكد «أنّ المسجد وقف عام سواء بنته الدولة أو الجماعات أو الأشخاص الطبيعيون أو المعنويون». وقسم المرسوم المساجد إلى ثلاثة أنواع هي المساجد الأثرية والمساجد الوطنية والمساجد المحلية إلى جانب المصليات. فصّل المرسوم شروط بناء المسجد وصيانتها، كما أوجب تخصيص مساحات لبناء المساجد في كل مخطّط عمراني تضعه الدولة أو الجماعات المحلية لكل تجمع سكاني جديد على أن تدفع قيمة المساحة بالدينار الرمزي. وحسب المرسوم فإنّ للمسجد عدّة وظائف نوجزها فيما يلي: - وظيفة روحية تعبدية تتمثل في إقامة الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله وتسبيحه. - وظيفة تربوية تعليمية تتمثل في تعليم القرآن والسنة والفقه وأصوله وعلم الفرائض والتوحيد وعلم التفسير والحديث والسيرة وغيرها من العلوم. كما يقدّم المسجد دروس استدراكية في مختلف مراحل التعليم مع احترام البرنامج التعليمي الرسمي. - وظيفة تثقيفية تتمثل في تنظيم المحاضرات وندوات لنشر الثقافة الإسلامية وتعميمها، وتنظيم معارض للكتاب الإسلامي والخط العربي والعمارة الإسلامية وإقامة الاحتفالات الدينية والوطنية؛ - وظيفة توجيهية إصلاحية عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الآفات الاجتماعية وإصلاح ذات البين بين المواطنين...إلخ.. - وظيفة اجتماعية تتمثل على الخصوص في تقديم خدمات صحية أولية تطوعية حسب الإجراءات الصحية وبث الوعي الصحي بالتعاون مع القطاع الصحي...إلخ. تعرّض هذا المرسوم إلى تعديلين: الأول حدث في 28 سبتمبر 1991، (المرسوم التنفيذي رقم 91-338 ج.ر عدد 45) وذلك لإدخال حكم يتعلّق بالفتح المسبق للمسجد قبل إتمام أشغاله كلية ويكون ذلك وفق قرار وزير الشؤون الدينية، والثاني حدث في 30 نوفمبر 1992، (المرسوم التنفيذي رقم 92-338 ج.ر عدد 45) ويتعلق بتعيين الأئمة من قبل وزير الشؤون الدينية، فيما يتمّ تعيين العاملين الآخرين من قبل المكلف بالشؤون الدينية بالولاية. اهتمام الدولة بمؤسسة المسجد لإبعاد أي استغلال سياسي لدور العبادة دفعها إلى إلغاء هذا المرسوم واستبداله بالمرسوم التنفيذي رقم 13-377 المؤرخ في 9 نوفمبر 2013، (ج.ر عدد 58) تضمن تعديلات عديدة وأحكام جديدة تتعلّق بدور المسجد في حماية المجتمع من أفكار التطرّف والتعصّب والغلو، وترسيخ قيم التسامح والتضامن في المجتمع وتثبيتها ومناهضة العنف والكراهية وصدّ كل ما يسيء للوطن. كما أدخل فصلا كاملا خاصا بآداب المسجد حيث يمنع القيام بأي عمل يتنافي ورسالة المسجد أو يخل بحرمته وقدسيته. أعاد أيضا النظر في ترتيب المساجد حسب موقعها ووظيفتها وطاقة استيعابها ولبعدها التاريخي ولأثرها الحضاري وهي: مسجد الجزائر، المساجد الرئيسية، المساجد الوطنية، المساجد المحلية ومساجد الأحياء بدل المصليات. كما ضمّ المرسوم الجديد فصلا آخر خُصّص لفتح المساجد وتسميتها حيث يمنع في هذا المجال تسمية المسجد بمن بناه، غير أنه يمكن أن يشار في لوحة التدشين إلى من بناه. توبع هذا المرسوم بقرارات وزارية تنفيذية ممضاة من قبل وزير الشؤون الدينية تتعلّق بتحديد القائمة المرجعية لتسميات المساجد (قرار ممضي في 16 أبريل 2017، ج.ر عدد 51)، وكيفية الآذان وصيغته (قرار ممضي في 16 أبريل 2017، ج.ر عدد 51)، وتنظيم عملية فتح المساجد (قرار ممضي في 29 أبريل 2017، ج.ر عدد 57)، وشكل البطاقية الوطنية للمساجد ومحتواها (قرار ممضي في 27 أبريل 2017، ج.ر عدد 57). 3 - المرسوم التنفيذي المتعلّق بإحداث مؤسسة المسجد وهو المرسوم التنفيذي رقم 91-82 المؤرخ في 23 مارس 1991، (ج.ر عدد 16) يتضمن إحداث مؤسسة المسجد، وقد جاء فيه: «تحدث في كل ولاية مؤسسة إسلامية تتمتّع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي غايتها النفع العام تسمى مؤسسة المسجد». وتتكون المؤسسة من أربعة مجالس هي: المجلس العلمي، ومجلس البناء والتجهيز، ومجلس اقرأ والتعليم المسجدي، ومجلس سبل الخيرات. وعلى سبيل المثال يتكوّن المجلس العلمي من فقهاء وعلماء ذوي ثقافة إسلامية عالية وكذا حاملين شهادات علمية في العلوم الإسلامية. أما مكتب مؤسسة المسجد، فيتكون من أمناء المجالس الأربعة، ويرأس المكتب ناظر الشؤون الدينية وينوبه أمين المجلس العلمي في حالة وقوع مانع له. ويتولى مكتب المؤسسة اقتراح جدول الأعمال لمجالس المؤسسة، وتنفيذ قرارات المجالس وتطبيق برنامج العمل وقبول الهبات والهدايا والموافقة على اقتناء الأموال المنقولة وغير المنقولة وإعداد ميزانية المؤسسة وتحضير التقريرين الأدبي والمالي وعرضهما على المجالس للموافقة عليهما. فيما يتولى مكتب المؤسسة الموسع إلى أعضاء المجلس العلمي الموافقة على نظام المؤسسة الداخلي وبرنامج عملها، وإعداد المخططات لتحقيق أهداف المؤسسة والموافقة على تقرير أمناء المجالس وتعيين أمين صندوق المؤسسة. كما عالج النص الأحكام المالية وتتعلّق بموارد المؤسسة والمتمثلة في مساعدة الدولة والجماعات المحلية، وريع الأوقاف مع مراعاة شروط الواقفين، والتبرعات والهبات والوصايا. وتصب جميع الموارد في حساب وحيد يفتحه ناظر الشؤون الدينية وأمين مجلس البناء والتجهيز. أما نفقات المؤسسة فتتمثل في جميع النفقات اللازمة لتحقيق الأهداف التي يحددها هذا المرسوم، وكذا التعويضات المستحقة للعاملين في المؤسسة. 4 - المرسوم التنفيذي المتعلّق بإحداث نظارة للشؤون الدينية في الولاية يتعلّق الأمر بالمرسوم التنفيذي رقم 91-83 المؤرخ في 23 مارس 1991، (ج.ر عدد 16) يتضمّن إحداث نظارة للشؤون الدينية في الولاية وتحديد تنظيمها وعملها، من مهامها الأساسية السهر على جعل المسجد مركز إشعاع ديني تربوي، ثقافي واجتماعي. تعرّض هذا المرسوم إلى تعديل في 30 نوفمبر 1992 (المرسوم التنفيذي رقم 92-438، ج.ر عدد 85)، كما تمّ إلغاؤه واستبداله بالمرسوم التنفيذي رقم 2000-200 المؤرخ في 26 جويلية 2000، (ج.ر عدد 47) يحدد قواعد تنظيم مصالح الشؤون الدينية والأوقاف في الولاية وعملها، توبع بقرار وزاري مشترك بين وزير الشؤون الدينية ووزير الداخلية ووزير المالية، وعن رئيس الحكومة المدير العام للوظيف العمومي مؤرخ في 11 مايو سنة 2003، يتضمّن تنظيم مصالح المديريات الولائية للشؤون الدينية والأوقاف في مكاتب (ج.ر عدد 36)، وتتمثل هذه المصالح في مصلحة المستخدمين وتشمل على مكتب المستخدمين ومكتب الوسائل وكتب المحاسبة؛ ومصلحة الإرشاد والشعائر الدينية والأوقاف وتشمل على مكتب الإرشاد الديني، ومكتب الشعائر الدينية؛ ومصلحة التعليم القرآني والتكوين والثقافة الإسلامية وتشمل على مكتب التعليم القرآني والتكوين المستمر، ومكتب الثقافة الإسلامية وإحياء التراث.