بعدما كان الجميع يعتقد بأنّ السودان تجاوز أزمته واقترب من التوقيع على الاتفاق الإطاري للسلام، عاد الوضع لينتكس ويدخل مرحلة الخطر، حيث استيقضت العاصمة الخرطوم، أمس، على وقع اشتباكات مسلحة بين قوات الجيش و«الدعم السريع" التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي"وسط حالة هلع وهروب جماعي لمواطنين من وسط المدينة وجنوبها. تبادلت قوات الدعم والجيش الاتهام عن المتسبّب في هذا التصعيد الخطير، حيث أودت قيادة الجيش أنّ قوات الدعم السريع التي أعلنت سيطرتها على القصر الجمهوري وبيت الضيافة ومطارات الخرطوم ومروي والأبيض وعدد من المواقع بالولايات السودانية، هي من وضعت البلاد في هذا المنزلق، حيث "هاجمت قواتنا في المدينة الرياضية ومواقع أخرى وتحولت إلى قوات متمردة على الدولة وعلى السيادة الوطنية". في المقابل، قالت قوات الدعم السريع في بيان إنّها تفاجأت بقوة كبيرة من القوات المسلحة تدخل إلى مقرها في أرض المعسكرات بسوبا في الخرطوم، وتضرب حصارًا على القوات المتواجدة هناك ثم تنهال عليها بهجوم كاسح بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وأضاف بيان قوات الدعم إنّها سيطرت على مطار الخرطوم، حيث توقفت حركة الطيران، وعلى قاعدة مروي شمال البلاد والقصر الرئاسي ومقر إقامة البرهان. كما دعا البيان من أسماهم أفراد ومنسوبي القوات المسلحة الشرفاء للوقوف إلى "جانب الحق"، مؤكدة أنها لا تستهدفهم لكنها ترفض استخدامهم من قبل قيادة القوات المسلحة الذين يريدون التشبث بكراسي السلطة، على حدّ قول البيان. لكنّ الجيش نفى ما تردّد على لسان قوات الدعم وأكّد بأنّ ما تقوله عن سيطرتها على مواقع سيادية هو مجرّد إشاعات، قائلا "قواتكم المسلحة الأبية فارضة سيطرتها وهيمنتها على كلّ القواعد والمطارات، وما زالت تدافع وتؤدي واجبها الدستوري والوطني والقانوني". وأشار إلى هروب أفراد وضباط لدعم السريع من مقارهم وترك جميع معداتهم في الشوارع. في الأثناء، قال شهود عيان إنّ الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع امتدت إلى شوارع رئيسية في الخرطوم، وأشارت مصادر إلى استعمال الطيران، ما خلّف مخاوف كبيرة لدى المواطنين من تصاعد المواجهة، ودفع بتجمع المهنيين السودانيين لدعوة قوى الثورة ولجان المقاومة الشعبية للمبادرة لحماية الأحياء بتشكيل لجان السلم المجتمعي. دعوات للتهدئة وفي ظلّ هذه الأجواء الداكنة، دعت القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري الجيش السوداني والدعم السريع لوقف المواجهات فورا. وناشدت الأسرة الدولية والإقليمية المساعدة العاجلة لوقف التصعيد. بدوره، قال السفير الأميركي في السودان جون غودفري إنّ وصول التوتر داخل المكون العسكري لقتال مباشر خطير للغاية وندعو قادته لوقف المعارك. كما أعربت السفارة الروسية في الخرطوم عن قلقها من تصاعد العنف وحثت مختلف الأطراف على وقف إطلاق النار. بيان الخميس وفجر الخميس الماضي، حذرت القيادة العامة للجيش السوداني من منعطف تاريخي وخطير تمر به البلاد ويرتبط بحشد قوات الدعم السريع في الخرطوم وبعض المدن. حينها، جدّدت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية تمسّكها بما تم التوافق عليه في دعم الانتقال السياسي، وفقا لما جاء في الاتفاق الإطاري. وحذرت القوى السياسية في السودان من مخاطر المزايدة في مواقف القوات المسلحة الوطنية. وفي مطلع أفريل الجاري، عصفت خلافات حول بعض القضايا العالقة، بموعد توقيع الاتفاق النهائي بين القوى السياسية والجيش والدعم السريع في السودان. وسبق أن تم تأجيل التوقيع على اتفاق سياسي نهائي بين القوى السياسية والجيش والدعم السريع، بسبب عدم وجود "توافق حول بعض القضايا العالقة". ويرتبط الخلاف في الأساس حول ملف "دمج قوات الدعم السريع" وجدوله الزمني، حيث تجرى المفاوضات برعاية الآلية الثلاثية (الأممالمتحدة، الاتحاد الإفريقي، إيغاد). وكان من المقرر توقيع اتفاق نهائي يؤدي إلى حكومة مدنية، الشهر الماضي، وبدء انتقال جديد نحو الانتخابات، إلا أنّ الخلافات ظهرت، في مارس الماضي، حول الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهي خطوة تمت الدعوة إليها في الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه، في ديسمبر الماضي. ونصّ الاتفاق الإطاري على تأجيل النظر في بعض القضايا الحساسة، من بينها الإصلاح الأمني والعدالة الانتقالية، وإجراء المزيد من المناقشات حولها.