منذ بداية الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا، تقدمت عدة جهات دولية بطلبات للوساطة الجزائرية في حل الأزمة الأوكرانية، والتي تُعَدُّ واحدة من أعقد الأزمات الدولية منذ نهاية الحرب الباردة. ويُشير الارتفاع الملحوظ في دور الجزائر كوسيط محتمل بين روسيا والغرب إلى أنه ليس بنات الصدفة. فالجزائر، بفضل تاريخها الغني في الوساطات الناجحة، تتأهب للعب أدوار بارزة في تسوية هذه الأزمة. تمتلك الجزائر علاقات جيدة مع طرفي الأزمة سواء روسيا الحليف الاستراتيجي، التي زارها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لمدة دامت ثلاثة أيام تم خلالها مناقشة عدة قضايا بما فيها الوساطة الجزائرية للمساعدة في تقريب وجهات النظر وحل الأزمة، كما تمتلك الجزائر علاقات جيدة مع أوكرانيا وحلفائها، الطرف الثاني في الأزمة. تعزيز الحوار ترتكز الدبلوماسية الجزائرية في إدارتها لأي نزاع أو أزمة دولية على ثلاثة مبادئ ثابتة، هي حق الشعوب في تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتعزيز الحوار الشامل في النزاعات الدولية مهما كانت خطورتها. وترى الجزائر أن حل الأزمة الأوكرانية الحالية لا بد أن يتم وفق الآلية الثالثة وهي تعزيز الحوار الشامل بين كل الأطراف وتجنب التصعيد والقرارات أحادية الجانب التي من شأنها أن تعقد الأمور ولا تحلها، مثل العقوبات الاقتصادية أو الضغط على دول أخرى لأجل اتخاذ مواقف معينة، وكان رئيس الجمهورية قد أشار الى نظرة الجزائر بخصوص هذا في منتدى سان بترسبورغ الاقتصادي الدولي 2023، بقوله : "إن الجزائريين ولدوا أحرارا وسيبقون" في إشارة لرفض الجزائر لأي ضغوطات. بالإضافة إلى ذلك، أشار رئيس الجمهورية إلى أن الحروب تشكل تهديدا للرفاهية والاقتصاد العالمي، وأن لها تأثيرات كبيرة خاصة على الدول النامية. وبشكل عام، يعكس هذا الموقف رؤية الجزائر تجاه الأزمة الأوكرانية، ويؤكد على ضرورة حلها من خلال الحوار وتقريب وجهات النظر، وكانت الجزائر وعلى لسان الرئيس قد أكدت في وقت سابق أن الجزائر مؤهلة للعب دور الوساطة بين روسياوأوكرانيا وأنها من بين الدول القليلة التي تمتلك المصداقية الكافية لفعل ذلك. ويمكن ربط موقف الجزائر وخبرتها في حل النزاعات الدولية بدورها السابق في حل أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران. ففي عام 1980، توسطت الجزائر بنجاح في التوصل إلى اتفاقية لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين الذين كانوا محتجزين في السفارة الأمريكية بطهران. وقد أظهرت الجزائر خلال تلك الفترة قدرتها على تسهيل الحوار والتواصل بين الأطراف المتنازعة وإيجاد حل سلمي. وبناء على هذه الخبرة والنجاح السابق، تستند رؤية الجزائر في حل الأزمة الأوكرانية الحالية إلى التوسط وتعزيز الحوار الشامل بين الأطراف المتنازعة. كما تسعى الجزائر لاستخدام خبرتها في الوساطة السياسية لتقريب وجهات النظر وتحقيق تسوية سلمية للأزمة الأوكرانية، تماما كما فعلت في السابق في قضية الرهائن الأمريكيين في إيران. العضوية في مجلس الأمن.. دور متزايد للجزائر وفي تصريح ل«الشعب"، أعرب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الباحث والدكتور مصطفى منصوري، عن تقديره لدور العضوية غير الدائمة للجزائر في مجلس الأمن، والذي يمكن أن يجعلها لاعبا مهما ومؤثرا في حل الأزمة الأوكرانية. فمن الناحية المؤسساتية، ستتمتع الجزائر بحق المشاركة في جميع المناقشات الرسمية المتعلقة بالأزمة الأوكرانية. بالإضافة إلى ذلك، في المناقشات غير الرسمية، ستكون الجزائر قريبة من الدول المؤثرة في مجلس الأمن، بما في ذلك الدول الخمسة الأعضاء الدائمين. وتتمتع الجزائر بعلاقات جيدة مع جميع هذه الدول، بما في ذلك روسيا والصين، بالإضافة إلى الدول الغربية مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا. بالإضافة إلى ذلك، كان للجزائر أدوارا فاعلة في عمليات الوساطة في إفريقيا، ولاسيما في حل النزاع بين إثيوبيا وإريتريا، وكذلك في الأزمة في مالي. حيث قامت الجزائر بجهود واسعة للوساطة وتسهيل الحوار بين الأطراف المتنازعة في هذه الأزمات. وقد تم تقدير واعتراف المجتمع الدولي بالدور الفاعل للجزائر في هذه الوساطات وقدرتها على المساهمة في تحقيق حلول سلمية ومستدامة للنزاعات في القارة الإفريقية.