تقلّصت خيارات الحياة المتاحة أمام سكان قطاع غزة المدمر المحاصر لتدفعهم للنزوح أكثر إلى الجنوب بعد أربعة أيام من انهيار هدنة لم تدم سوى لأسبوع استشهد بعده مئات الفلسطينيين وجرح مئات آخرون مع إعلان الكيان الصهيوني العودة للحرب التي حصدت حتى الآن أرواح ما يزيد على 16 ألف شخص. لا يصدق الكثير من الفلسطينيين الذين اضطُروا للنزوح قسراً مع بداية المعركة البرية في شمال القطاع، إلى الجنوب، أنهم سيُضطرون مرة أخرى لتكرار المأساة، بعدما تبعهم القصف الصهيوني إلى هناك، فمنذ استئناف الجولة الثانية من الحرب ركّزت قوات الاحتلال الصهيوني ضرباتها على الجنوب ما جعل الجميع هناك في حيرة من أمره يتساءل إلى أين المفر؟. قال المواطن الفلسطيني محيسن، وهو من سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة، نزح إلى الجنوب قبل أسابيع، أنه سيُضطر مرة أخرى لتكرار النزوح، بعدما هاجمت قوات الاحتلال خان يونس التي لجأ إليها، وطالبت سكانها بالتوجه إلى رفح الحدودية. وتساءل محيسن الذي قضى ليلته في الشارع: «أين نذهب؟ لا أعرف أين نذهب؟ ماذا يريدون منّا". ومحيسن واحد من نحو مليون و700 ألف فلسطيني يوجدون في مناطق وسط وجنوب قطاع غزة، بينهم مئات الآلاف ممن نزحوا من شمال القطاع، وفق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أصبحوا في مهب الريح يواجهون مصيراً مجهولاً. ويقصف الجيش الصهيوني بشكل غير متوقع مناطق الجنوب على نحو مكثف منذ الجمعة،ما أوقع المئات من الشهداء والجرحى، ودمّر مربعات سكنية، ووزع خرائط ومنشورات، واتصل هاتفياً بعشرات الآلاف من سكان خان يونس ومناطق أخرى من وسط القطاع وجنوبه، طالبهم خلالها بالرحيل إلى رفح. إلى أين بعد رفح؟ وأضاف محيسن قائلا: «قصفوا بيوتنا في البداية، وطلبوا منا النزوح من منازلنا في الشمال إلى الجنوب. والآن يعيدون الكرّة، ويقصفون ويطلبون منا التوجه إلى رفح (أقصى منطقة في جنوب القطاع). إلى أين بعد رفح؟". وتشمل التحذيرات الصهيونية كل الذين نزحوا كذلك إلى منطقة المواصي غرب خان يونس، وهي منطقة ظل الجيش الصهيوني طيلة 50 يوماً من الحرب في مرحلتها الأولى يقول إنها المنطقة الآمنة التي يطلب من السكان الذهاب إليها، لدرجة أن «الأونروا» أنشأت هناك خياماً لاحتواء آلاف النازحين. ولا يعرف محيسن أين يذهب اليوم ومثله آلاف باتوا في الشوارع بعد قصف لم يختبروا مثله في الماضي. حيث قال: «لا يوجد مكان يتسع لنا، ولا نفهم ماذا يريدون؟ على كل حال، لم يعد هناك مكان نذهب إليه. سنموت هنا".وهو نفس الخلاصة التي وصل إليها أبو وائل نصر الله (80 عاماً) الذي ردّ بتهكّم على أحدث أوامر جيش الاحتلال الصهيوني بالتوجه جنوباً إلى رفح قائلا: "هذا كلام فارغ "، وأضاف بأنه وأسرته سيبقون في مكانهم لأنهم خسروا كل شيء بالفعل. وأضاف: "ليس هناك شيء نخاف عليه. فقدنا بيوتنا وأملاكنا، وأيضا أولادنا هناك من استشهدوا أو ماتوا أو هم في المستشفيات لماذا نبكي؟". التهجير القسري وتركز قوات الاحتلال الآن على تهجير سكان شرق المنطقة الوسطى (معظمها مخيمات) ومدينة خان يونس بأكملها (شرق وغرب) باتجاه رفح. ويهدد ذلك بموجة نزوح جديدة غير مسبوقة، وبمفاقمة الأوضاع الصحية والبيئية الكارثية. وقالت نهال المصري من سكان خان يونس بجنوب قطاع غزة، إنها اضطُرت صباح السبت مع 7 من أبنائها، للتوجه إلى منزل شقيقتها في منطقة تل السلطان غرب مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة. وكانت المصري قد تلقت اتصالاً ورد لها من شخص عرّف نفسه بأنه ضابط صهيوني طالبها بإخلاء منزلها، على أساس أنه يقع في منطقة قتال عسكري. سألته المصري كيف تكون المنطقة منطقة قتال ولا يوجد فيها مسلحون، ولا يجري فيها قتال أو معارك بل يسودها الهدوء، فأمرها بالرحيل أو تلقي العواقب. وأضافت: «صار واضحاً ماذا يريدون. يريدون أن نرحل من قطاع غزة. عندما قالوا إنهم يريدون إرجاع غزة 50 عاماً إلى الوراء فهذا هو الذي يقومون به اليوم. تدمير كامل. يريدون تدمير كل شيء بالقطاع. سياسة انتقام واضحة". ويقول الفلسطينيون إن العمل على تهجير سكان الجنوب مستمر مع العمل على تهجير سكان الشمال، وهو أمر بدأ قبل 50 يوماً.