شهد العالم، مع نهاية سنة 2023، على نتائج صمت المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأممالمتحدة، في تطبيق قرارات الشرعية الدولية بخصوص فلسطين وفشله في وقف عدوان الاحتلال الصهيوني وحربه المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني، خاصة بقطاع غزة، التي جاءت لتشكل ضربة مدمرة لمسار السلام ولتضع أمن وسلام المنطقة على المحك. ويواصل الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه، صموده الأسطوري أمام العدوان الصهيوني، الذي يندرج ضمن مخططات الاحتلال لتحقيق تطهير عرقي بغزة وسلب ممتلكات الشعب الفلسطيني وتهجيره قسرا، وهذا ما يشكل آخر مخططات الكيان المحتل المتعلقة بتوسيع مستوطناته وبؤره الاستيطانية الجاثمة على الأراضي الفلسطينية. إن الانتصار للقضية الفلسطينية يبدأ بالدعم اللامتناهي واللامشروط لها، وهو ما رافعت لصالحه الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في المحافل الدولية والإقليمية، وعملت باتجاه تحقيق المصالحة بين أبناء هذا الشعب من خلال توحيد الفصائل الفلسطينية. فالجزائر، وفي إطار سياستها المساندة للقضايا العادلة، بادرت ولاتزال، من أجل تمكين الشعب الفلسطيني من استرجاع كافة حقوقه غير القابلة للتصرف أو المساومة، وعلى رأسها حقه في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من جوان 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وفق القرارات الأممية والمرجعيات الدولية ذات الصلة. وقد حمل رئيس الجمهورية موقف الجزائر هذا وعبر عنه في كافة المنابر الدولية والإقليمية، منها دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الثامنة والسبعين، التي دعا خلالها إلى عقد جمعية عامة استثنائية لمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الجهاز الأممي، كما دعا محكمة العدل الدولية للاستجابة لطلب الجمعية العامة لإصدار رأيها الاستشاري حول الممارسات التي تمس حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وطالب مجلس الأمن بإصدار قرار يؤكد بموجبه حماية حل الدولتين. وشكلت مناسبة افتتاح السنة القضائية 2023-2024 فرصة لرئيس الجمهورية للمرافعة مجددا لصالح القضية الفلسطينية، وهذه المرة عبر الدعوة لرفع دعوى قضائية ضد الكيان الصهيوني أمام المحكمة الجنائية الدولية، معتبرا الخطوة تمثل «سبيلا لإنهاء حالة الإفلات من العقاب بحق الاحتلال الصهيوني التي دامت عقودا» وكذا «ملاذا للأشقاء الفلسطينيين لاستعادة حقهم في إقامة دولتهم المستقلة». وفي هذا الإطار، واستجابة لدعوة الرئيس تبون، قدمت يوم 9 نوفمبر شكوى جماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، بمبادرة من المجتمع المدني وبدعم مجموعة من المحامين، من بينهم جزائريون، ضد الكيان الصهيوني تتعلق بالإبادة الجماعية وجرائم أخرى مرتكبة ضد الشعب الفلسطيني في كل من غزة والضفة الغربية المحتلة. كما كانت ندوة الجزائر الدولية حول «العدالة للشعب الفلسطيني»، التي بادرت الجزائر بتنظيمها أواخر نوفمبر المنصرم، صورة أخرى من صور الدعم، حيث أعلن خلالها عن إنشاء لجنة مشكلة من قضاة ومحامين تتولى متابعة رفع الشكاوى بخصوص الجرائم الصهيونية غير المسبوقة أمام محكمة الجنايات الدولية وباقي المحاكم التي تعتمد عالمية العقوبة. وفي آخر خطوة قامت بها تجاه القضية الفلسطينية، ستستقبل الجزائر 400 طفل فلسطيني مصاب لتقلي العلاج من جروح وآثار همجية ووحشية الكيان الصهيوني وذلك بالمستشفيات المدنية والعسكرية لولايات الجزائر العاصمة، وهران وقسنطينة. استقلال فلسطين المنشود منذ أزيد من 75 سنة، أضحى أكثر من أي وقت مضى ضرورة ملحة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، بعد جريمة الإبادة التي يستمر في تنفيذها الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة، والتي ستشكل، لا محالة، ملفا ثقيلا أمام القضاء الدولي لمحاسبته عنها وعن كل الجرائم والمجازر التي تضمنها سجله الاحتلالي لأرض فلسطين. من هذا المنطلق، فإن ما يشهده العالم، منذ 7 أكتوبر المنصرم، من جرائم بحق الإنسانية في غزة والضفة الغربية، نسف كل معنى للسلام في فلسطين وضرب مصداقية مجلس الأمن الدولي، الجهاز الذي تقع على عاتقه المسؤولية الرئيسية، بموجب ميثاق الأممالمتحدة، في الحفاظ وصون السلم والأمن الدوليين. إن استمرار الاحتلال وتماديه في ممارساته الإرهابية من قتل وتشريد واعتقال واستحواذ على أراضي الفلسطينيين، يعني تغاضي المجتمع الدولي عن حقوق الشعب الفلسطيني التي أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجلها عام 1975، لجنة معنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه، بما في ذلك الحق في تقرير المصير والحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين، والحق في العودة إلى دياره وممتلكاته التي شرد منها.