صدمة السابع من أكتوبر الماضي ضاعفت من اهتزاز الثقة واليقين بالدولة والمشروع الإجلائي الإحلالي الصهيوني، وتركت ندوبا سوداء في قلوب وعقول سكّان المجتمع الصهيوني من أعلى إلى أسفل، وضربت في عمق الوعي الجمعي والفردي، وأحدثت زلزالا غير مسبوق في قناعة قادة وضباط وجنود الجيش والمؤسّسة الأمنية الصهيونية بكلّ فروعها بقوّة وقدرة ومكانة المؤسّسة العسكرية، التي انهارت بشكل مريع وفاضح منذ ذلك الحين، ومازالت ارتداداتها ماثلة في المعارك الدائرة على أرض المحافظات الجنوبية والوطن الفلسطيني عموما، وتعكسها الخسائر الفادحة التي تقع يوميا في صفوف الضباط والجنود وتدمير الدبّابات والمدرعات والآليات والعتاد، ممّا أحدث شللا هائلا في قدراتها القتالية، رغم تفوّقها في العدد والعتاد والإمكانيات على المستويات كافة. وكشفت إفلاس وتهتك وفشل عملياتها العسكرية، حيث لم تتمكن حتى الآن وبعد مرور 75 يوما على حرب الإبادة على قطاع غزة الضيّق والمحدود المساحة، ومحدودية عدد وعتاد أذرع المقاومة المتواضعة بالمقارنة مع قوات وإمكانيات العدو الصهيو أمريكية المجوقلة بكلّ صنوف الأسلحة البرية والبحرية والجوية المتطورة والفتاكة، التي باءت محاولاتها بالفشل في تحقيق أيّ من أهدافها المعلنة، وإن حقّقت هدفا، فهو محصور في الدّماء واستنزاف المدنيين العزّل وجلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير الوحدات السكنية والبنى التحتية والمستشفيات والمدارس والجامعات وأماكن العبادة والمنشآت الصناعية، الذي يتضاعف يوميا نتاج حرب الإبادة المفتوحة حتى الآن. هذه اللّوحة الماثلة للعيان انعكست في ميدان المعارك وباعتراف القيادات السياسية والعسكرية والأمنية الصهيونية والأمريكية على حدّ سواء، وتجلّت في مثل بسيط، الجمعة 15 ديسمبر الحالي (2023)، حيث قتلت قوات جيش الموت الصهيونية 3 أسرى بسبب الجبن والإرباك، وعدم الثقة في حيّ الشجاعية، رغم أنّهم رفعوا الرايات البيضاء، وأعلنوا للجنود: أنّهم أسرى صهاينة، لكنّ الوحدة العسكرية المتواجدة في المكان أطلقت الرصاص عليهم وقتلتهم جميعا، وبعد الفحص تبين أنّهم جنود صهاينة، وهم: يوتام حاييم وألون شمريز وسامر الطلالقة. وليبرر الجيش جريمته ضدّ الأسرى الصهاينة، أعلن يوم أمس السبت أنّ السبب يعود إلى أنّ عملية القتل لهم أولا تمت عن طريق الخطأ، ثانيا لوجودهم في منطقة قتال عنيف مع أذرع المقاومة، ثالثا لاعتقادهم أنّهم من مقاتلي أذرع المقاومة، كونهم بلباس مدني أسوة بالمقاتلين الفلسطينيين، وخشيتهم من عملية خداع، رابعا لاعتقاهم أنهم يشكّلون تهديدا للوحدة العسكرية في المكان. ولذرّ الرماد في العيون الصهيونية، ولتخفيف الصدمة على ذويهم، أقرّ الجيش الصهيوني مبدئيا، أنّ إطلاق النار على الرهائن كان مخالفا لقواعد الاشتباك الصهيونية، وتابع بيان القيادة العسكرية، أنّهم سيجرون تحقيقا موسّعا في عملية القتل للوقوف على دروس ما جرى. وبقراءة أسباب الجيش الصهيوني الواهية والغبية، والردّ عليها بشكل علمي وموضوعي، نرى أنّ الأسباب الحقيقية لعملية القتل تعود للتالي: أولا تخبّط وفوضى إدارة العمليات العسكرية الصهيونية؛ ثانيا جبن وعدم يقين وثقة الجيش بذاته، وخشيته من مطلق إنسان، رغم أنّه يدّعي (الجيش) أنّه يعمل للإفراج عن الأسرى؛ ثالثا عدم تمكّن الوحدة من إعطاء فرصة للمستسلمين لهم ليعرّفوا عن ذاتهم وهويتهم لذات السبب السابق؛ رابعا مخالفتهم الواضحة ليس لقواعد الاشتباك الصهيونية، كما يقول بيان القيادة العسكرية، وإنما مخالفتهم واستباحتهم للقانون والمعاهدات والمواثيق الدولية بأسرى الحرب أثناء القتال. فطالما مطلق إنسان استسلم أثناء القتال يتم أسره، ولا يجوز تحت أيّ اعتبار قتله أو تعذيبه، ويفترض معاملته معاملة أسير حرب. لكنّ الجيش الصهيوني الممنوح صلاحيات قتل أيّ إنسان يتحرك بغض النظر عن عمره أو جنسه أو هويته أو دينه أو عرقه، والذي لا يؤمن بالقانون الدولي والمعاهدات الأممية ذات الصلة، ولا يلتزم بقواعد الاشتباك المتعارف عليها دوليا قام بعملية القتل للأسرى الصهاينة. وأضاع أيضا فرصة تحقيق إنجاز ولو بسيط لرئيس الوزراء وحكومة الحرب الصهيونية، الذين يمنّون النّفس بالإعلان عن نجاح مهما كان حجمه من الأهداف المعلنة، ومن بينها الإفراج عن أيّ عدد من أسرى الحرب. لكن ثبت بالملموس أنّ جيشا مهزوما ومهزوزا وجبانا وفاقدا للثقة بذاته وقدراته لا يمكن أن يحقّق أيّة مكاسب حتى لو كانت متواضعة. وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها هذه العملية، بل هناك أكثر من نموذج حدث من هذا القبيل، وقبل 17 يوما تم قتل أحد المستوطنين الصهاينة في القدس، الذي قام بإطلاق الرصاص على أحد الشقيقين مراد وإبراهيم نمر الفلسطينيين، يوم الخميس 30 نوفمبر الماضي، وعندما وصلت قوات الشرطة والجيش ألقى مسدّسه وعرّف عن نفسه كصهيوني، تم إطلاق الرصاص عليه وقتله. ولن تنتهي سقوط أسطورة الجيش السوبرمان عند ذلك.