احتضنت العاصمة الكونغولية برازافيل، أول أمس، قمة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى بشأن الأزمة الليبية، التي كانت امتدادا للجهود القاريّة في سبيل تحقيق السلام والوفاق بين الفرقاء، وتمهيدا للمؤتمر الوطني للمصالحة الوطنية الذي تمّ الاتفاق على تنظيمه بمدينة سرت في الثامن والعشرين من أفريل القادم. اجتماع برازافيل الذي جاء بمثابة قمة مصغرة تسبق ترتيبات مؤتمر المصالحة الوطنية الليبية، شكّل فرصة لتثبت أفريقيا للعالم أن لديها القدرة على حل مشاكلها، وتهيئة مناخ من السلام الدائم داخل دولها. وبالنظر إلى البيان الختامي، فإن اجتماع اللجنة الافريقية رفيعة المستوى المعنية بليبا، وضع يديه على الجرح النازف في هذه الدولة التي تواجه أزمة سياسية معقّدة منذ2011؛ إذ أكّد على دعم العملية السياسية التي تجريها ليبيا والتي تهدف إلى تنظيم انتخابات عامة، كما دعا جميع الأطراف الخارجية إلى ضرورة التوقف والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا، لأن ذلك يقوّض المصالح الأساسية للشعب الليبي وتطلعاته المشروعة. وشدّد على الحاجة الملحة لسحب كل المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا وفقاً لقرارات الاتحاد الأفريقي والقرارات الدولية ذات الصلة. ودعا المشاركون في مداخلاتهم ببرازافيل إلى دعم مسار المصالحة الوطنية في ليبيا وحشد الامكانيات لإنجاح المؤتمر الجامع المقرّر نهاية شهر أفريل القادم بمدينة سيرت، محذرين من تداعيات استمرار الأزمة على أمن واستقرار المنطقة. وعبّر أعضاء اللجنة الإفريقية، عن رضاهم لجهود المجلس الرئاسي الليبي عبر تبني "نظرة استراتيجية وطنية حول المصالحة على قاعدة وطنية"، إضافة الى تنظيم اول اجتماع تحضيري للندوة الليبية-الليبية للمصالحة من 8 الى 12 جانفي 2023 بطرابلس، وكذا المشاورات المعمقة التي تمت في مختلف مناطق البلاد من قبل فريق الاتحاد الأفريقي بقيادة وزارة خارجية الكونغو. مفوضية وطنية عليا للمصالحة وبهدف ضمان مشاركة واسعة لمختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين الليبيين في الجهود المبذولة من أجل المصالحة الوطنية، رحّب أعضاء اللجنة بقرار رئيس المجلس الرئاسي الليبي القاضي بإنشاء في أقرب الآجال مفوضية وطنية عليا للمصالحة. كما جدّدت اللجنة الافريقية رفيعة المستوى دعوتها لكل الأطراف المعنية الليبية للانضمام الكامل لجهود المصالحة بطريقة "بناءة"، مذكرة بأنه "لا يمكن التوصل إلى حلول دائمة من دون حوار صريح وجدي بين الفاعلين الليبيين"، ومعربة عن تضامنها مع الشعب الليبي وتمسكها بالوحدة الوطنية لليبيا وسيادتها. توحيد المسارات هذا، وشدّد البيان الختامي لاجتماع برازافيل على الحاجة الملحة إلى تقارب وتكامل إجراءات الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والمجتمع الدولي من أجل تجنب إزدواجية الجهود المبذولة من أجل ليبيا. وطالب المجمتعون مفوضية الاتحاد الإفريقي بمواصلة دعم الليبيين لضمان نجاح المصالحة في الوقت المناسب وبطريقة فعّالة. وعن الملف السياسي، أشاد البيان بالتقدّم الكبير في ليبيا المفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية. وأعرب عن دعمه توحيد المؤسسات الوطنية استجابة لتطلعات الشعب الليبي. وكان الرئيس الكونغولي دوني ساسو نغيسو قال في افتتاح الاجتماع "لحل هذه الأزمة، لطالما فضلنا الحوار الليبي الحاضن للجميع كسبيل للمصالحة على أن يسبق العملية الانتخابية". من جهته، أشار موسى فقي محمد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي إلى أن "الأزمة الليبية طال أمدها كثيراً وكلّفت شعبها غالياً"، وقال إن الأزمة غذّت "الإرهاب في منطقة الساحل". وبحسب الاتحاد الأفريقي، فإن الأزمة الليبية متعدّدة الأبعاد، عسكرية وأمنية وسياسية ومؤسساتية واقتصادية ومالية. موقف داعم للجامعة العربية من جهتها، دعت جامعة الدول العربية من برازافيل، إلى ضرورة تكثيف الجهود بناء على الزخم الإيجابي من الإجماع الدولي لدعم المصالحة الوطنية في ليبيا، بمشاركة كافة الأطراف الليبية "دون إقصاء لتخرج كلها رابحة". وقال ممثل جامعة الدول العربية، الأمين العام المساعد حسين الهنداوي في كلمة له خلال اجتماع لجنة الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى المعنية بليبيا، أن هذا اللقاء "يأتي في ظرف بالغ الدقة" مؤكدا على الحاجة الملحة لتحقيق "المصالحة الوطنية الشاملة". و ذكر في السياق ان جامعة الدول العربية تتابع عن كثب مسار مشروع المصالحة الوطنية وشاركت في فعاليات للجنة التحضيرية منذ الملتقى المنعقد في جانفي 2023, مردفا : "اذا تتطلع الجامعة العربية إلى انعقاد مؤتمر المصالحة الوطنية بمدينة سيرت في أفريل المقبل فإنها تؤكد في هذا الصدد على ضرورة تكثيف الجهود بناء على زخم إيجابي من الإجماع الدولي لدعم هذا المشروع بمشاركة كافة الأطراف الليبية دون إقصاء، لتخرج كلها رابحة". و في الاخير، حث ممثل جامعة الدول العربية جميع الليبيين بكافة التيارات السياسية والمناطق الجغرافية على إعلاء المصلحة العامة وتغليب منطق التوافق. محذرا من خطورة إطالة أمد الازمة. عقبة الانقسامات في الأثناء، يسعى المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي، إلى دفع المسار الانتخابي في ليبيا من خلال لقاءاته بأطراف الأزمة، وتمكين الشعب من الوصول إلى حقه الشرعي في الذهاب إلى صناديق الاقتراع، والاستفادة من حالة الاستقرار التي تشهدها البلاد والبناء عليها. وقد حذر باتيلي، من أن الانقسامات المستمرة بين القادة السياسيين "أصبحت تشكل عقبة إضافية أمام توحيد المؤسسات الليبية". و أكد في كلمته خلال مشاركته في برازافيل، أن العملية السياسية والمصالحة الوطنية يجب أن يسيرا جنبًا إلى جنب، من أجل تحقيق سلام واستقرار مستدامين في ليبيا. ودعا القادة الليبيين إلى اعتماد مقاربة منهجية وتوافقية بشأن عملية المصالحة، مجددا مناشدته للاتحاد الأفريقي لتشكيل فريق خبراء في ليبيا لدعم العملية، كما شجع جميع الشركاء الإقليميين على تجديد دعمهم لمسار المصالحة الوطنية في ليبيا. وسلط الممثل الخاص الضوء على الدور الذي يلعبه الاتحاد الأفريقي في تحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا، بناءً على الدروس المستفادة من التجارب المماثلة لبعض الدول الأعضاء، كما شدّد على ضرورة المشاركة النشطة والإيجابية لدول الجوار الليبي.