رؤية استشرافية تعالج نظاما ماليا عالميا أثقل كاهل القارة بالدّيون في وقت تشهد العديد من الدول النامية تحوّلات اقتصادية مهمة، تتبوأ الجزائر موقع الريادة في مسار الإصلاح الاقتصادي، حيث تتجسّد جهودها الحثيثة في بناء نموذج اقتصادي جديد يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية في البلاد، وعبر القارة الإفريقية. وفي خضمّ التحدّيات الاقتصادية التي تواجهها الدول الإفريقية، تبرز الجزائر صوتا جهوريا يدعو إلى ضرورة إرساء نظام اقتصادي جديد عادل وشامل. فبعد مرور 50 عامًا على مطالبتها الأولى بهذا النظام من على منبر الأممالمتحدة، تُجدد الجزائر اليوم دعوتها، مُؤكّدة على الحاجة الملحة لمراجعة النظام المالي العالمي الحالي الذي أثقل كاهل الدول الإفريقية بالديون وفوائدها. وفي هذا السياق، أثبتت الجزائر، بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، ريادتها في طرح هذا الموضوع على الساحة الدولية. ففي كلمته المُهمّة خلال قمة المؤسسة الدولية للتنمية "IDA21" في نيروبي، شدّد الرئيس تبون على ضرورة حشد الإمكانيات المالية اللازمة لتحقيق أولويات التنمية في إفريقيا. ولم تُغفل الجزائر التحدّيات الكبيرة التي تواجهها الدول الإفريقية، خاصة فيما يتعلق بالديون وارتفاع أسعار الفائدة وشحّ التمويل. ونبّهت إلى أن هذه الظروف أجبرت العديد من البلدان الفقيرة على تقليص النفقات الضرورية، بما فيها تلك الموجهة لقطاعات حيوية كالصّحة والتعليم والبيئة، مما يُعيق تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. نظام اقتصادي جديد عادل يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور مصطفى بوحاتم في تصريح ل«الشعب"، أن الجزائر أدركت بوضوح أنّ النظام المالي العالمي الحالي يُعيق التنمية في إفريقيا، ويُفاقم مشكلات الفقر والتهميش وعدم المساواة. لذا، دعت إلى تجنّد المجموعة الدولية من أجل المساهمة في الاستجابة للتحديات المعقدة التي تواجه البلدان الفقيرة ومعالجة الأسباب الجذرية التي تُغذي النزاعات وعدم الاستقرار خاصة مسألة التدخلات العسكرية أو المشروطية السياسية في منح القروض أو التمويل المشبوه والذي تستفيد منه الأنظمة في بعض الأحيان على حساب الشعوب، والعديد من الدول الإفريقية الهشة تعرضت لهذه الممارسات. ويؤكد بوحاتم على أنّه لا يمكن تحقيق الأمن والسلام دون تحقيق النماء الاقتصادي والاجتماعي المستدام والمبني على أسس صحيحة، يأخذ بعين الاعتبار الظروف الحالية للدول الإفريقية. دور محوري علاوة على ذلك، أشادت الجزائر بالدور "المحوري" الذي تضطلع به المؤسسة الدولية للتنمية في دعم التنمية في إفريقيا. ودعت - على لسان وزيرها الأول - إلى زيادة حجم الموارد المسيرة لرفع سقف المساعدات المقدمة للدول الإفريقية، تمكينًا لها من تحقيق أهدافها التنموية. ولم تكتف الجزائر بالدعوات فقط، بل قدمت مبادرات ملموسة لدعم التنمية في إفريقيا. فقد جددت دعمها لكل المبادرات والآليات التي من شأنها سدّ فجوة التمويل وزيادة حجم المساعدات الإنمائية وتحسين كفاءتها. كما دعت إلى تفعيل أدوات مناسبة للتخفيف من وطأة الديون، وتحرير السياسات المتعلقة بالأمن الغذائي والصحي من المقاربات الاقتصادية المحضة، ودعم جهود الدول الإفريقية في مواجهة آثار التغيرات المناخية. كما اعتبرت الجزائر مجالات التنمية ذات الأولوية في إفريقيا، والتي تشمل دعم التنمية البشرية وتعزيز الأمن الغذائي وتطوير مشاريع البنية التحتية والطاقة والرقمنة، بالإضافة إلى تشجيع المقاولاتية والابتكار وتعزيز القدرة على الصمود والتكيف مع تغير المناخ. وكانت الجزائر قد خصصت العام الماضي مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية في إفريقيا عبر الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، لتمويل مشاريع تنموية في الدول الإفريقية، لا سيما منها تلك التي تكتسي طابعا اندماجيا أو تلك التي من شأنها المساهمة في دفع عجلة التنمية بالقارة. اندماج قاري أدركت الجزائر أنّ تحقيق التنمية في إفريقيا يتطلب جهدًا جماعيًا، لذا أكّدت على أهمية تسريع وتيرة الاندماج القاري وتنفيذ أجندة الاتحاد الإفريقي 2063. ووضعت الجزائر نموذجًا يُحتذى به في هذا المجال، من خلال تصور اندماجي لمشاريعها الوطنية وإنجاز مشاريع تنموية أخرى في عدة دول إفريقية مجاورة.وتمثل أجندة أفريقيا 2063، إطاراً استراتيجياً رئيسياً لتحقيق التنمية المستدامة في القارة الإفريقية، وهي المبادرة التي أطلقت في عام 2013 للاحتفاء باليوبيل الذهبي لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في عام 1963. تستمر هذه الأجندة لمدة نصف قرن حتى عام 2063، وتتكون من خمس خطط تنفيذية فرعية، كل منها يغطي فترة عشر سنوات، وتهدف إلى دعم الاندماج والتكامل الإفريقي، بدءاً من تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية في ستينيات القرن الماضي، وتحولها فيما بعد إلى الاتحاد الإفريقي في عام 2000.