بنك المعطيات الوطني.. حجر الأساس لمشروع الرقمنة تُواصل الجزائر خطواتها الثابتة نحو تحقيق الرقمنة الشاملة، وذلك بفضل توجيهات صارمة من السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال مجلس الوزراء الأخير. وتضمنت هذه التوجيهات تعليمات صريحة بمتابعة إنجاز مشروع بنك المعطيات الوطني (Data Center) بوتيرة متقدمة، مع تكليف المحافظة السامية للرقمنة باستحداث مجمع مكاتب دراسات متخصص لمتابعة سير العمل في هذا المشروع الاستراتيجي للبلاد. يمثل بنك المعطيات الوطني (Data Center) حجر الأساس لمشروع الرقمنة الشاملة في الجزائر، حيث سيوفر بنية تحتية رقمية متطورة تربط مختلف القطاعات الحكومية والاقتصادية في البلاد. سيتيح هذا المركز تخزين ومعالجة كميات هائلة من البيانات بشكل آمن وفعال وسريع، مما يُسهم في تحسين كفاءة الخدمات الحكومية وتقديم تجربة أفضل للمواطنين. وتمتلك شركة هواوي الصينية، الشريك في إنجاز هذا المشروع، خبرة عالمية واسعة في مجال الشبكات والرقمنة، ممّا يُعزّز من ثقة الحكومة الجزائرية في نجاح هذا المشروع الاستراتيجي. بالإضافة إلى ذلك، يلعب بنك المعطيات دورًا مهمًّا في الناحية الأمنية، حيث يعمل كجدار حماية للأمن السيبراني للجزائريين. وهذا يأتي في وقت أصبحت فيه الدول مستهدفة بشكل متزايد في هذا المجال، الذي يشهد حروبًا سيبرانية يومية تهدف إلى الإضرار بالبنى التحتية. في هذا السياق، يرى الدكتور محمد ملال، الخبير في تكنولوجيا المعلومات، في تصريح ل "الشعب"، أن فوائد بنك المعطيات لمشروع الرقمنة عديدة، من أهمها تحسين جودة الخدمات العامة، حيث يمكن للإدارات تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين من خلال توفير بيانات دقيقة وشاملة. كما يساهم بنك المعطيات في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد عبر إتاحة البيانات بشكل مفتوح ومتاح للجميع. إضافة إلى ذلك، يدعم البنك، الاقتصاد الرقمي والشركات الناشئة، من خلال توفير البنية التحتية اللازمة لدعم المشاريع الرقمية الناشئة، وتعزيز الاقتصاد الرقمي، خاصة لفئة الشباب الذين يبنون مشاريعهم على أسس حديثة باستخدام تكنولوجيا الاتصال والإعلام الحديثة. أما فيما يخص استحداث مجمع مكاتب دراسات متخصصة لمتابعة سير العمل، يضيف الدكتور ملال، فإنها خطوة جد مهمة من الناحية الفنية والتقنية، لأن هذه المكاتب تضم خبراء مختصين في مجالات متنوعة، مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأمن السيبراني والبنية التحتية وإدارة المشاريع، حيث سيقوم المجمع بمتابعة سير العمل في المشروع بشكل دقيق، من خلال تحليل البيانات وتقديم التقارير الدورية. دقة البيانات وفي سياق المشروع، انطلقت بالفعل في الجزائر في 19 ماي 2024 عملية الإحصاء الرقمي القطاعي في المجال الفلاحي وهو الأكبر منذ الاستقلال، وستستمرّ العملية إلى غاية 17 جويلية. تهدف هذه العملية، إلى وضع أرقام دقيقة لواقع القطاع الفلاحي في الجزائر، بما في ذلك الإنتاج الوطني والذي قدر في 2023 ب35 مليار دولار، وعدد الفلاحين والمستثمرين، واحتياجات القطاع وتُعدّ هذه الخطوة مهمة لتعزيز التخطيط السليم للقطاع الفلاحي ودعم صغار الفلاحين، الذين يُشكلون عصب هذا القطاع الحيوي الذي يُساهم ب14٪ في الناتج المحلي الإجمالي للجزائر. قفزة نوعية بالإضافة إلى ذلك، شهد قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر تحولات كبيرة بفضل جهود الرقمنة، حيث قامت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي باستحداث 51 منصة رقمية تقدم 54 خدمة متنوعة تشمل الجوانب البيداغوجية والخدماتية والبحثية. تهدف هذه المبادرة إلى الاستغناء الكامل عن الطابع الورقي من خلال الوصول إلى 54 منصة رقمية، مما يعزز من كفاءة العملية التعليمية ويسهل على الطلاب والأساتذة الوصول إلى الخدمات التعليمية والأكاديمية بشكل متكامل وسريع. علاوة على ذلك، قامت وزارة العدل بتطبيق الرقمنة في عدة عمليات أساسية لتحسين الخدمات القضائية وتسهيل الوصول إليها. من بين هذه العمليات، تم رقمنة عملية استخراج الوثائق الهامة، مما يسهل على المواطنين والمحامين الحصول على الوثائق بسرعة وكفاءة دون الحاجة إلى الإجراءات التقليدية المعقدة. كما تم إطلاق الشباك الوطني الإلكتروني، الذي يتيح للمتقاضين ومحاميهم الاطلاع على مآل قضاياهم عن بعد، مما يوفر الكثير من الوقت والجهد ويعزز من شفافية العملية القضائية. بالإضافة إلى ذلك، تم تبني المحاكمات المرئية عن بعد، مما يسهم في تسهيل عملية التقاضي وتخفيف العبء على المحاكم، من خلال تقليل الحاجة للحضور الشخصي وتوفير بيئة قضائية أكثر كفاءة وفعالية. ويمثل مشروع الرقمنة الشاملة في الجزائر خطوة مهمة نحو مستقبل رقمي متكامل، يعزز الشفافية ويحسن جودة الخدمات العامة ويدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويحقق رؤية رئيس الجمهورية الاقتصادية لسنة 2027، من خلال استثمار في البنية التحتية الرقمية وتطبيق الحوكمة الإلكترونية، وتسعى الجزائر إلى تحقيق نقلة نوعية في جميع القطاعات، مما يضعها في مصاف الدول المتقدمة في مجال الرقمنة.