برحيله المفاجئ.. يخيم الصمت مرة أخرى على ربوع الوطن المفدّى، وتتوقف عقارب الساعة وتنطفئ شمعة تاريخية، أضاءت سفوح جبالنا، من غربها إلى شرقها، ويصمت للأبد صوت المجاهد ورئيس المجلس الأعلى للدولة علي كافي.. هي رحلة العمر التي بدأت في صفوف الحركة الوطنية، وعبر حلقاتها وخلاياها، لتنتقل إلى الكتاتيب، والزوايا. من قسنطينة جاءت محطة التحصيل العلمي رفقة العديد من الأسماء، من بينها الراحل هواري بومدين، أين إلتقيا على مشارف سرتا، يرتشفان مناهل العلم والمعرفة.. يخيّم الصمت، مرة أخرى.. ويعلن رئيس الجمهورية الحداد ل8 أيام.. تعبيرا ومواساة لعائلة الفقيد الكبيرة والصغيرة، وقد كان يلازمه في كل الاحتفالات المخلّدة للفاتح من نوفمبر، وعيد الاستقلال.. إنطفأت شمعة علي كافي في جزائر الاستقلال.. بعد ما شارك وساهم في تحريرها، بداية من هجومات 20 أوت 1955، أو ما يعرف بهجومات الشمال القسنطيني، رفقة زيغود يوسف والرفاق، لفك الحصار عن الولاية الأولى (أوراس النمامشة)، إلى حضوره مؤتمر الصومام، موفدا من الولاية التاريخية الثانية، ممثلا لقائدها. فقائدا لها مابين سنتي 1957 1959 ليلتحق بجيش التحرير بتونس، مساهما رفقة العديد من الشخصيات الوطنية والثورية في تنظيم الهيئتين المسيّرتين للثورة (مجلس الثورة، والحكومة المؤقتة). إنطفأت شمعة أخرى من شموع الوطن.. ليرحل علي كافي صديق الرؤساء، جمال عيد الناصر والرئيس بورقيبة.. إلى جانب الرؤساء الذين سبقوه بوضياف.. أحمد بن بلة والشاذلي بن جديد. رحل وترك خلفه بصمات.. ومواقف في أصعب مرحلة عرفتها الجزائر.. بداية التسعينيات عندما قاد المجلس الأعلى للدولة، وعمل على إيقاف الدم الجزائري، وهي المسيرة التي قادت الوطن إلى برّ الأمان. يخيّم الصّمت مرة أخرى.. ومذكرات الفقيد شاهدة على مروره من هنا... «من المناضل السياسي إلى القائد العسكري.. 1945 1962»، وهي شهادة لأحد الرجالات الذين كان لهم الدور البارز... في محطات عديدة من تاريخ الجزائر.. والتي أماطت اللثام عن بعض الحقائق والأحداث التاريخية وهي شهادة للمؤرخين والمهتمين بالتاريخ لما تحمله من إضافات، مهما كانت نتائجها، هي الحقيقة وحدها من تصل في الأخير. وداعا أيها الأب المجاهد.. وداعا أيها الرئيس.. وداعا.. بوفاته يطوى سجل القادة التاريخيين للولاية التاريخية الثانية.. رحمة اللّه عليك في الدنيا ورحمة اللّه عليك في الآخرة..