أدلى الماليون أمس بأصواتهم في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي يعلقون عليها أمالا كبيرة في إنهاء الأزمة السياسية والعسكرية التي تعيشها البلاد على مدار 18 شهرا، لم تمنعهم الأمطار والسيول من التوجه إلى مكاتب الاقتراع التي فتحت أبوابها على الساعة 08سا00 صباحا وإن كانت نسبة التوافد عليها اقل مقارنة بالدور الأول بسبب برك الماء المشكلة جراء السيول والتي أغلقت الكثير من المسالك والطرق المؤدية اليها. ويتنافس في هذا الدور الثاني والحاسم كل من إبراهيم ابوبكر كايتا المعروف اختصارا ب«ايبيكا» رئيس حزب التجمع من اجل مالي وصومايلا سيسي والملقب ب«سومي» رئيس حزب الاتحاد من اجل الجمهورية والديمقراطية. وقد رجحت نتائج الدور الأول من هذه الانتخابات كفة كايتا لدخول قصر كولوبا الرئاسي الذي اصبح قاب قوسين أو ادنى من أبوابه، فكل المعطيات تشير أن الرجل لن ينتهي به المطاف إلا رئيسا خامسا للبلاد منذ استقلالها العام 1960 عن الاحتلال الفرنسي. إن اقتحام ايبيكا للمعترك السياسي في مالي جاء مبكرا يعود إلى ما قبل الاستقلال حيث انضم الى معسكر اليسار المتشدد المعروف بمناوئته للاستعمار بكل أشكاله من خلال انخراطه في فيدرالية طلبة إفريقيا السوداء في فرنسا التي ضمت الكثير من الوجوه البارزة في تاريخ القارة. وفي سنة 1992 وبعد اسقاط الحكم الديكتاتوري لموسى طراوري وبداية التجربة المالية مع الممارسة الديمقراطية بوصول الفا عمر كوناري الى الحكم تفتحت الأفق السياسية للرجل، حيث استهلها كمستشار دبلوماسي ثم كسفير لبلاده في كوت ديفوار ولم تمر سنة على ذلك ليتقرب اكثر من دوائر السلطة والحكم بتكليفه بمهام أكثر حساسية وأهمية بداية بحمل حقيبة وزارة الخارجية سنة 1993 ثم وزيرا أول لمدة ست سنوات تحت حكم الرئيس الفا عمر كوناري أي بين سنتي 1994 و2000 وقد كان لتوليه هذا المنصب المرحلة الفارقة في المستقبل السياسي للرجل من خلال ظهوره بمظهر رجل الدولة الحازم الذي لا يقبل المساومة حيث واجه الاحتجاجات الاجتماعية والحركة الطلابية التي عرفتها البلاد في نهاية التسعينات، إلى درجة انه تحمل على عاتقه اتخاذ إقرار سنة بيضاء في كل المؤسسات التربوية والمدارس على خلفية تلك الاحتجاجات و هي مغامرة سياسية تحتاج الكثير من الشجاعة. بعد هذا البروز القوي ل«ايبيكا» على المشهد السياسي المالي الذي أعطى انطباعا جازما بأنه الرجل الأقرب لخلافة الفا عمر كوناري المنتهية عهدته سنة 2000 إلا أن الرياح سارت بغير ما يشتهيه حيث فضل حزبه في السلطة الاتحاد من اجل الديمقراطية في مالي المعروف اختصارا ب«اديما» رجلا من المؤسسة العسكرية وهو امادو توماني توري الذي أطاح بحكمه في انقلاب عسكري مارس 2012. ابراهيم كايتا وبعد خيبة الأمل التي اصيب بها لم ينتظر طويلا ليؤسس حزبه التجمع من اجل مالي الذي يتزعمه إلى اليوم والذي يخوض باسمه الانتخابات الرئاسية التي يرى فيها تحقيق حلمه الذي يعود الى 23 سنة خلت. إن الدهاء السياسي لهذا الرجل يظهر من خلال مواقفه المحسوبة والذكية اتجاه كل المؤسسات والقوى في البلاد استطاع من خلالها تسويق فكرة انه رجل المرحلة فقد استطاع كسب المؤسسة العسكرية على الرغم من انتقاد انقلابها العسكري على الرئيس توماني توري ولكنه سرعان ما استدرك هذا الانتقاد بتفهم موقفها في الوقت الذي تفقد فيه البلاد جزءا منها في إشارة إلى الشمال، كما استطاع كسب أعلى هيئة دينية إلى صفه وهو المجلس الإسلامي الأعلى الذي أعلن رئيسه محمود ديكو دعمه ل«كايتا» في هذا الدور الثاني من الانتخابات.