ينطلق، اليوم، على ضفاف بحيرة ليمان بمدينة مونترو السويسرية، مؤتمر السلام حول سوريا، بهدف إيجاد حل سياسي تفاوضي للنزاع الدامي الذي أوقع منذ مارس 2011 أزيد من 130 ألف قتيل، وشرد الملايين وأجبرهم على النزوج أو اللجوء إلى دول الجوار، ليخلق واحدة من أكبر المآسي الإنسانية وأكثرها فظاعة. الاتفاق على عقد «جنيف 2» الذي يشكل طريق الخلاص الوحيد للأزمة السورية، شهد مخاضا عسيرا، فالمعارضة المتشرذمة التي حملت السلاح لتغيير نظام الرئيس الأسد بقوة دفعٍ من بعض الجهات، ظلت طول الأشهر الماضية تضع العربة أمام الحصان، وتعرقل كل مبادرة نحو التسوية بفرض شروط تعجيزية عمقت الخلاف وأبعدت الوفاق، معوّلة في كل ذلك على تدخل دولي يحسم المعركة لصالحها. لكن الذي حصل أن الرهان على الخيار العسكري فشل، فلا الجيش النظامي انشق أو انحلّ، ولا مؤسسات الدولة تفككت، ولا الشعب في غالبيته العظمى انقلب على النظام، ولا حتى أمريكا شنّت عدوانا لتغيير المعادلة على الأرض. بل الذي تفرّقت صفوفه هي المعارض المتعددة الولاءات التي دخلت في صراعات فيما بينها، فاسحة المجال للمجموعات الإرهابية لتصبح سيّدة الموقف في الميدان. بعد ثلاثة أعوام من التقتيل والتدمير، اقتنع الجميع، وفي مقدمتهم الذين كانوا يصبون الزيت على النار، بضرورة الجنوح إلى الخيار السلمي خشية إنفلات شر الإرهاب من عقاله وانتشاره في دول الجوار، وهو فعلا بدأ ينتشر في لبنان. وبالتأكيد، فإن تغليب لغة الحوار والالتقاء حول طاولة المفاوضات سيسمح بإيجاد أرضية وفاق تنقذ سوريا وشعبها من براثن أزمة دموية ماضية لتتحول إلى حرب أهلية. ويبقى نجاح «جنيف 2»، الذي سيشهد انطلاق مفاوضات بين طرفي الأزمة تحت إشراف الوسيط العربي والأممي الأخضر الإبراهيمي، مرهون بتنازلات يقدّمها هذا الجانب والآخر، وبالانطلاق من قاعدة لا غالب ولا مغلوب، ولا منتصر ولا مهزوم، لأن الخروج باتفاق سيشكل بكل تأكيد نصرا كبيرا للشعب السوري.