ضاق الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان بطموحات زملائه في الجامعة بعد التخرج، لأن كلمة معلم هي الكلمة التي تتردد على شفاه الكثيرين من الطلاب الخريجين يوم توزيع الشهادات، فيقول في نفسه أبعد هذا الجهد والعناء والكد يختار هؤلاء التعليم مهنة؟ ألا ساء ما يفعلون وما أقصر مدى طموحهم. لا يسمح هذا الحيز بالحديث عن تجربة الشاعر مع التعليم وهي المهنة التي تنسجم مع مزاجه وطبيعته ولكن من المفيد تقديم المعلومات والحقائق التالية: 1) تقول أخته الشاعرة فدوى طوقان في مقدمة ديوانه إنه لم يخلق لهذه المهنة، ولكن الظروف حالت دون أن يكون صحفيا في مصر وعاد الى وطنه فلسطين ليتولى مهنة التدريس في مدرسة النجاح الوطنية بنابلس وبعد عام واحد انتقل الى الجامعة الأمريكية في بيروت وعمل مدرسا لمدة عامين ثم قدم استقالته ليعود مدرسا في المدرسة الرشيدية في القدس. 2) وفي القدس ضاق بعمله أشد الضيق فنفس عن نفسه ما لحقه من جراء هذه الوظيفة بقصيدته الشاعر المعلم: يقول شوقي ومادرى بمصيبتي قم للمعلم وفه التبجيلا أفقد فديتك: هل يكون مبجلا من كان للنشء الصغار خليلا حسب المعلم غمة وكآبة مرأى الدفاتر بكرة وأصيلا 3) لقد صاغ القصيدة في قالب فكاهي عذب صور فيها ما كان يكابده من مشقة التعليم والجهد الذي كان يبذله والعناء الذي كان يلاقيه من جراء ذلك كله. فيقول في نفس القصيدة: مئة على مئة إذا صلحت وجد العمى نحو العيون سبيلا ولو أن التصليح ينفع ويرتجى لم أك بالعيون بخيلا لكن أصلح غلطة نحوية مثلا وأتخذ الكتاب دليلا متشهد بآية من آياته أو بالحديث مفصلا تفصيلا وأكاد أبعث سيبويه من البلى وذوي من أهل القرون الأولى فأرى حمارا بعد ذلك كله رفع المضاف إليه والمفعولا 4) كانت هذه القصيدة سببا في ايقافه عن العمل وعرض عليه العمل بدار المعلمين الريفية في بغداد ولكنه بعد شهرين أصيب بمرض خطير ليعود الى نابلس حيث نقل بعدها الى المستشفى الفرنسي بالقدس لينتقل الى رحمة الله مساء يوم من شهر ماي 1941 وهناك استراح من هموم الدنيا وقبل وفاته كان قد اختتم قصيدة الشاعر المعلم بالأبيات التالية: لاتعجبوا إن صحت يوما صيحة ووقعت مابين التلاميذ قتيلا يا من تريد الانتحار وجدت إن المعلم لا يعيش طويلامل ------------------------------------------------------------------------