تتوفر الجزائر على إمكانيات وموارد تضمن لها مواجهة انعكاسات تراجع أسعار المحروقات وبالتالي انكماش مداخيلها وذلك في المدى المتوسط، غير انه ينبغي تفادي السقوط في حالة اطمئنان مبالغ فيها والانتظار إلى أن تحدث صدمة محتملة بفعل أسباب ناجمة عن حالة الأسواق البترولية (عوامل تجارية)، ولكن أيضا، نتيجة تداعيات صراع أقوياء العالم الذين يعمل بعضهم على كسر عضد الاقتصاد للبعض الآخر (أمريكا في مواجهة وروسيا من خلال كبار المنتجين في الخليج (بسبب أزمتي أوكرانيا وسوريا). وسارعت الدولة منذ منتصف الصائفة الماضية جراء تسجيل بداية انكسار أسعار البترول وتراجع منتظم للطلب على الذهب الأسود، لتسلط الاضواء من خلال الخبراء والمتابعين المتخصصين على حركية الأسواق من أجل استشراف حركيتها في المدى المنظور، من خلال رصد المؤشرات وتشخيص معادلة العرض والطلب قصد التوصل إلى تشكيل رؤية واتخاذ التدابير المناسبة لتفادي أي طارئ. وبالطبع يكمن الهدف في الحفاظ على وتيرة التنمية عن طريق تنفيذ برنامج الاستثمارات المسطر وتحسين نسبة النمو التي حددت لها الحكومة سقف 7 بالمائة في السنوات الخمس القادمة، التي يرتقب أن تشهد ديناميكية اقتصادية مندمجة تشارك فيها كافة القوى والمتعاملين المحليين والمستثمرين الأجانب الذين يثقون في السوق الاستثمارية الجزائرية ذات التنافسية والمتوفرة على تأمين وضمان الاستثمار المنتج خاصة في قطاعات خارج المحروقات. وبالفعل عرفت عدة قطاعات عانت في السابق من العجز والتأخر عن مواكبة النمو، انتعاشا مثل الصناعة التي شهدت بعض فروعها ديناميكية من خلال عمليات استثمار بالشراكة الأجنبية خاصة على غرار الصناعة الميكانيكية والحديد والنسيج والصناعة الغذائية، لتستعيد الصناعة دورها في تحقيق النمو وإنتاج القيمة المضافة وتنشيط حركية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بفضل المقاولة والاندماج الصناعي. ومن الطبيعي التزام أسلوب التسيير الحذر للميزانية وإخضاع منظومة الاستثمارات لمعيار العقلانية مع تعزيز معايير الحوكمة على كافة مستويات دواليب الجهاز الاقتصادي والمالي، بحيث يمكن التوصل إلى توظيف جيد للموارد وتحقيق للأهداف المسطرة بأقل كلفة. وضمن هذه الحتمية، يصبح من الضروري توسيع دائرة الاستشارة الوطنية للاستفادة من رؤية وتحاليل وتوقعات الخبراء الجديرين الذين يضعون صاحب القرار على دراية من أمور الأسواق والتجارة العالمية وأبعاد الصراعات الدولية على مصادر الطاقة وتحولاتها الإستراتيجية. بلا شك تتوفر اليوم مساحة ملائمة لإعادة ترتيب أوراق المشهد الاقتصادي الوطني بتعزيز خيارات الاستثمار المحلي وبالشراكة حول مشاريع إنتاجية ومواصلة انجاز البرامج التي انطلقت. لكن ينبغي الرفع من وتيرة استغلال الموارد الطبيعية المختلفة التي تملكها بلادنا مثل توسيع الاستثمار في الفلاحة برؤية صناعية مندمجة وتعميق سوق السياحة بجذب الزبائن المحليين أكثر فأكثر، عوض تصديرهم إلى وجهات أجنبية، والأهم وهو أمر جوهري إعادة صياغة الأنماط الاستهلاكية الداخلية بالتزام خط سير يقوم في النهاية على التوفير وتقليل النفقات الإضافية بما يحمي القدرة الشرائية للمواطن تحسبا لما يتوقع قدومه، بكل ما يحمله من تحديات.