لا تزال نتائج قطاع الفلاحة أقل بكثير من حجم الموارد المالية التي سخّرتها الدولة من خلال مختلف صيغ الدعم بالنظر لارتفاع فاتورة استيراد المواد الغذائية والخلل بأسواق الخضر والفواكه بفعل التلاعب بالأسعار وغياب الشفافية. ومع ذلك يبقى الرهان قائما على هذا القطاع لإعادة تصحيح مساره حتى يلعب دوره الاقتصادي كمنتج للثروة ومصدر حقيقي لبناء جدار الأمن الغذائي. إن أساس هذا البناء هو الأراضي الفلاحية الصالحة للزراعة والمحيطات المستصلحة التي تتطلّب تدعيمها بإجراءات حماية قانونية وتواجدا قويا لمصالح الدولة في الميدان بالموازة مع الحرص على إلزام الحائزين لمستثمرات عمومية أو ملاك أراض فلاحية بامتياز بضرورة استغلالها ضمن البرامج الفلاحية الاستراتيجية. وبالفعل، يتعلق الأمر اليوم بالأخذ بزمام الأمور وبجدية لا مجال فيها للارتجال أو المغامرة غير محسوبة النتائج من خلال الانتقال إلى إرساء برامج استثمارات فلاحية تتعلق بالمواد الغذائية الاستراتيجية التي تشكّل نقطة ضعف في المنظومة الاقتصادية. ويترتّب عن هذا الخيار الذي يؤسس بالحوار والشراكة بمعايير شفافة ودقيقة الحسابات بإشراك مراكز ومعاهد البحث في المجالات الزراعية والاقتصادية الانتقال إلى إقامة مشاريع واسعة ومندمجة ومتكاملة، خاصة وأن عناصر النجاح متوفرة منها الموارد المائية واليد العاملة الشابة وكذا وسائل الإنتاج. وبالضبط يتعلّق الإمر هنا بتحويل الفلاحة إلى ورشات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة بحيث يمكن لبرامج واسعة في الهضاب العليا والمناطق الصحراوية الملائمة قائمة على ركائز المؤسسة الانتاجية، أن تستوعب جانبا هائلا من الشباب الجاهز للعمل، وهي صيغة كفيلة بأن تضّخ نفسا جديدا في عالم الشغل، خاصة إذا أحيطت تلك المحيطات بنسيج لمؤسسات في الصناعة الغذائية والتحويلية وما يرافقها من نشاطات غير مباشرة. لم يعد مقبولا، وبالذات في الظرف الراهن لأسواق المحروقات الذي ينذر بتغيرات في المؤشرات المالية في المديين المتوسط والطويل، أن تترك المستثمرات العمومية والأراضي الفلاحية التابعة للخواص عرضة للارتجال أو الإهمال، بينما يخصّ الأمر مسألة ذات طابع استراتيجي تتمثل في النهوض بالأمن الغذائي وهو مسألة حيوية في مواجهة حروب الأسواق الغذائية في العالم، والتي لا تقل أهمية وخطورة عن الحروب غير المعلنة حول مصادر الطاقات البديلة.